المناطق الحرّة السوريّة تدخل دوامات تقييد سريعة..تنازع وجهات النظر يضيع فرص بمليارات الليرات..؟!!

 

على وقع الاهتمام الحكومي بالمناطق الحرة، وتشديد رئيس مجلس الوزراء خلال اجتماعه الأخير مع كوادر وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية على تفعيلها كذراع استثماري يعوّل عليه في المرحلة القادمة، من خلال استنهاض مقوماتها والاستفادة من ميزات الاستثمار فيها وتوظيفها ضمن سياق تعاطي الحكومة مع العملية الإنتاجية كخيار استراتيجي، تتبدى لدينا كمتابعين مسألة تدني مستوى التصنيع في هذه المناطق، إذ تبين لنا لدى استقصائنا عن واقع التصنيع فيها وجود بعض الصناعات المتواضعة مثل دوبلاج ومونتاج الأعمال الفنية الدرامية والسينمائية، وبحكم طبيعة هذه الصناعة فإن مخرجاتها لا تخضع لحركة الإخراج والإدخال كما في بقية الصناعات إذ يتم انسياب مخرجاتها عبر الإنترنت ووسائل التواصل الإلكترونية، وبالتالي فإنها غالباً ما تكون بحلٍ مما تتقاضاه المؤسسة العامة للمناطق الحرة من بدل خدمات استثمارية على قيمة المنتج المراد إخراجه من المنطقة الحرة.

ومن أبرز الصناعات أيضاً أربعة معامل أدوية اثنان منها في دمشق، واثنان في اللاذقية، إضافة إلى معمل غزل شعر الماعز الموجود في اللاذقية، والذي يستورد مواد ومستلزمات إنتاجه من الخارج، ويصدر منتجاته إلى دول الخليج، إلى جانب معمل زيت الزيتون في دمشق الذي يعتمد على المنتج المحلي…!.

ميزات ولكن..!.

إذاً المشهد الصناعي في المناطق الحرة ليس كما يرام فقط، بل هو أشبه بالغائب مقارنة بنظيره في المدن والمناطق الصناعية المنتشرة على الجغرافيا السورية، إذ لا يعقل أن يقتصر التصنيع في المنطقة الحرة على عمليات الدوبلاج والمونتاج والأدوية فقط، في ظل مقومات يمكن الاستفادة منها لإقامة صناعات في كل منطقة تتناسب مع مصدر المواد الأولية وتصريف المنتج المحلي، خاصة وأن تكاليف الإنتاج في المناطق الحرة منافسة ومشجعة مقارنة بالمدن الصناعية..؟!. ولم ينف مدير عام المؤسسة العامة للمناطق الحرة إياد الكوسا ما سبق ذكره مبيناً في تصريحه الخاص لـ”البعث” أن ميزات التصنيع في المناطق الحرة تتمثل بإعفاء إدخال المواد الأولية للصناعة وآلات الإنتاج دون رسوم، والإعفاء من الضرائب والرسوم مقابل دفع بدلات الإشغال التي تتقاضاها المؤسسة بالدولار طيلة مدة الاستثمار، وبدلات خدمات استثمارية مقابل إخراج البضائع من المناطق الحرة، مشيراً إلى أن المنشآت الصناعية تعود ملكيتها للمؤسسة دون حق التملك للمستثمر.

مفارقة..!.

لكن ثمة تحد يواجه التصنيع بالمناطق الحرة ازدادت حدته خلال الأزمة وما نجم عنها من عقوبات اقتصادية، حيث أن الصناعة فيها كانت معدة للتصدير وموجهة حصراً للدول التي لا تربطها بسورية اتفاقيات التجارة العربية الكبرى، أي أن السوق المفتوح أمامها –نظرياً- هو السوق الأوربية والأمريكية، بينما –عملياً- هو مغلق نتيجة العقوبات، والمفارقة التي نعتقد أنها تقف عائقاً أمام توسيع نطاق التصنيع في المناطق الحرة تكمن بأن المنتج المصنع في المنطقة الحرة لا يعامل معاملة المنتج المستورد من الدول العربية من جهة الرسوم الجمركية المخفضة المترتبة عليه بموجب الاتفاقيات المشتركة بهذا الخصوص.

مقارنة..!.

ولدى المقارنة بين واقع الاستثمار الصناعي في المناطق الحرة في سورية، مع نظيراتها من الدول كالأردن ومصر، نلاحظ أن قانون الجمارك الأردني يعفي البضائع المصنعة في المناطق الحرة عند وضعها بالاستهلاك المحلي في حدود قيمة المواد والتكاليف والنفقات المحلية الداخلة في صنعها شريطة ألا تقل القيمة المضافة المحلية عن”40%”، ولا يحاسب المنتج كمستورد كامل وإنما تستوفى الرسوم على المواد الأجنبية الداخلة بتصنيعه وبرسم مخفض كمواد أولية ويمنح هذا المنتج شهادة منتج محلي.

أما قانون ضمانات وحوافز الاستثمار في مصر فينص على أن قيمة الرسوم المستحقة على المنتجات المستوردة من مشروعات المناطق الحرة إلى السوق المحلية التي تشمل مكونات أجنبية ومحلية، تكون على المكونات الأجنبية الداخلة في التصنيع فقط.

بينما في سورية فإنه يترتب على المنتج النهائي الداخل من المناطق الحرة إلى السوق المحلية رسوم جمركية 20 أو 30% ويعامل معاملة المنتج المستورد وذلك وفقاً لقانون الجمارك النافذ حالياً، علماً بأن هذا المنتج قد تدخل بتصنيعه كمستلزمات إنتاج (مواد محلية لا يتوجب عليها رسوم, أو مستوردة سبق أن تم استيفاء الرسوم الجمركية عليها) أي يتم استيفاء الرسوم الجمركية على المنتج حين وضعه بالاستهلاك المحلي وفي هذه الحالة تستوفى الرسوم الجمركية مرتين مرة على هذه المدخلات وأخرى على المنتج المصنع..!، وبالتالي فإن المنتجات المصنعة في المناطق الحرة لا يمكنها منافسة نظيراتها في المدن والمناطق الصناعية ولا حتى المستوردة من الدول العربية.

خيار أمثل

ثمة خيار كفيل بتعزيز واقع التصنيع في المناطق الحرة سبق وأن طرحته وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية على اللجنة الاقتصادية يتمثل بإعفاء المنتجات المصنعة في المناطق الحرة من الرسوم الجمركية حين وضعها بالاستهلاك المحلي واستيفاء الرسوم على المواد الأولية الأجنبية الداخلة في التصنيع. خاصة وأن مدير عام المؤسسة يؤكد أن توسيع دائرة التصنيع في المناطق الحرة يعتبر خطوة أولى لجذب الصناعات التي تعتمد على تكنولوجيا عالية متطورة أو غير موجود في البلد، تمهيداً لتوطينها لاحقاً كصناعات وطنية، لا سيما أن أول جهة يقصدها كبار المستثمرين في العالم هي المناطق الحرة نظراً لسهولة إجراءات الترخيص المحصورة بجهة واحدة هي مجلس إدارة المؤسسة والابتعاد عن تعدد الجهات المعنية بالترخيص خارج المناطق الحرة.

تخوف

قد نتفهم إلى حد ما تخوف وزارة الصناعة الذي ساقته في أكثر من مناسبة والمتمثل بأن الخيار المذكور أعلاه والمزايا والتسهيلات الموجودة في المناطق الحرة قد تساهم بهجرة المنشآت الصناعية القائمة في القطر إلى المناطق الحرة، ولكن وعلى اعتبار أن وزارة الصناعة هي الراعية للاستثمارات الصناعية في سورية قاطبة سواء داخل القطر، أم في المناطق الحرة، فلابد أن تسعى مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية والمؤسسة العامة للمناطق الحرة لمنح مزايا لتشجيع الاستثمار الصناعي في المناطق الحرة علماً أن الخيار المذكور لا يعطي أفضلية للاستثمارات الصناعية في المناطق الحرة عن نظيراتها في الداخل، إضافة إلى أن تراجع الاستثمار الصناعي إلى حد الانعدام وفق الواقع الحالي في المناطق الحرة حيث أن المنتج المصنع فيها لا يستطيع المنافسة مع نظيره في الداخل أو المستورد من الدول الخاضعة للاتفاقية، وبالتالي لا يستطيع إدخالها إلى القطر ولا تصديرها إلى هذه الدول نتيجة ارتفاع قيمة الرسوم التي يتم استيفائها على المنتج في المناطق الحرة جراء إخضاعه لرسم 20-30% بدلاً من استفاء الرسوم الجمركية بمعدل 1 أو 5 % عن المواد الأجنبية الداخلة في التصنيع.

قيد الدراسة

وأفادت مصادر مطلعة أن إعفاء المنتجات المصنعة في المناطق الحرة من الرسوم الجمركية حين وضعها بالاستهلاك المحلي واستيفاء الرسوم على المدخلات الأجنبية المستوردة من خارج القطر والداخلة في تصنيعها، تم عرضه على اللجنة الاقتصادية وأحيل إلى اللجنة الإشرافية المسؤولة عن دراسة قانون الاستثمار، في خطوة يعوّل عليها أن تصب في مجرى مواءمة الاستثمار في المناطق الحرة مع العملية الاستثمارية في سورية بشكل عام.

يبقى أن نشير إلى أن قرار الاستثمار في الداخل أو في المناطق الحرة يعود لصاحب رأس المال وفق رؤيته ومصلحته، وفي الحالتين فإن هذا الاستثمار هو ضمن الجمهورية العربية السورية، وتعتبر الاستثمارات في المناطق الحرة جزء لا يتجزأ من الاستثمارات القائمة في القطر ويحقق الغاية المرجوة من إقامته ويعود بالنفع العام ويساعد على تحريك عجلة الإنتاج الوطني.

عن “البعث ” – حسن النابلسي “بتصرّف”

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]