إصلاحات منشودة بين المركزية وعكسها..

 

الإدارة علم قائم بحد ذاته ويعتمد على قواعد ومبادئ و والأجدى  اعتبارها فن تعتمد على المزايا الممتلكة من المدير مهما كان مستوى إدارته  وهنا لابد من التفريق بين المدير المتبع للأنظمة و القوانين بحذافيرها و القائد المبتكر المبدع متخذ القرارات باللحظة المناسبة و متبنيها لحل مشاكل ظاهرة بلحظات مفاجئة و تعد المركزية واللامركزية من أهم القضايا الإدارية المختلف عليها و الواجبة التغيير حسب الظروف المحيطة الكلية أو الجزئية, فالتنظيم الإداري يعتمد على أساليب فنية تتمثل في النظام المركزي واللامركزية بهدف توزيع النشاط الإداري بين مختلف الأجهزة الإدارية التابعة للدولة في النشاطات الكلية أو الجزئية ,بين مركزية تتبنى  تركيز السلطة ولا مركزية تتبنى توزيع السلطات وإعطاء حرية القرارات وبالتالي مصطلحا المركزية و اللامركزية  يعبران عن مدى تفويض السلطة للمستويات الإدارية الأقل ,و تعرف المركزية على أنها حصر المهام والمسؤوليات والوظائف في مستوى واحد سواء من الدولة بحيث تتمثل عاصمتها مثل رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أوالبرلمان أوالمحكمة العليا للدولة أوالمجلس الأعلى للقضاء , ومن ثم باقي المستويات التنفيذية أو المستويات الإدارية التي تتألف منها البلد المعني.

وجهان

هناك صورتان للمركزية الإدارية ، وهما التركيز الإداري وعدم التركيز الإداري ,فحسب الصورة الأولى: تتركز السلطة الإدارية جميعها في يد الوزراء في العاصمة ،حيث يشرف الوزراء من العاصمة على جميع المرافق العامة وطنية أو محلية أي لا يكون هناك مجال لعمل المجالس البلدية أو الإقليمية للإشراف على المرافق المحلية بحيث يركز أمر البت والتقرير النهائي في جميع شؤون الوظيفة الإدارية في يد الحكومة المركزية فلهم سلطة إصدار القرارات النهائية أو تعديلها أو إلغائها ، كما يتم احتكار سلطة التعيين في الوظائف العامة

الصورة الثانية: يخول إلى موظفي الوزارة في العاصمة أو في المحافظات  سواء بمفردهم أو في شكل لجان، أمر البت في بعض الأمور دون حاجة الرجوع إلى الوزير .

مزايا

 

للمركزية مزايا عديدة منها :

أ- إن الأخذ بالإدارة المركزية يؤدي إلى الوحدة الإدارية في الدولة مما يسمح بتثبيت سلطات الحكومة المركزية وقد نجح الأمر بالنسبة وهنا الأمر يعود لتاريخية الدولة و مستوى تطورها وتقدمها و سويات التنمية المختلفة بها و مدى المخاطر التي تواجهها الدولة و حجم الضغوطات الخارجية .

ب- توحيد الإدارة وتناسقها تبعا لتوحيد أساليب وأنماط النشاط الإداري في مختلف مرافق الدولة كما يؤدي مع طول التجربة إلى استقرار الإجراءات ووضوحها ويصل إلى تحقيق سرعة في انجاز الأعمال الإدارية ..

ج- الإدارة المركزية غالباً هي الأسلوب الإداري الوحيد الذي يلائم المرافق العامة الوطنية التي تهدف إلى أداء الخدمات على نطاق واسع ولجميع أفراد الشعب بنفس الشروط وبصورة منظمة.

د- إن الأخذ بأسلوب الإدارة المركزية يساعد على انتقاء رجال الإدارة بطريقة التعيين ، وبذلك تتمكن من انتقاء الرجال الأكفاء ذوي الخبرة القانونية والإدارية و كذلك تساعد على وحدةالقرار ودقة النظام و العدالة في توزيع المزايا والفوائد على كافة الشعب .

ولكن ليست المركزية ثابت مستمر لايمكن الاستغناء عنها فهي تحوي عيوب إن اختيرت بشكل دائم دون الأخذ بالمتغيرات المحيطة ومن عيوبها بأنها :

أ- لا تشجع على الابتكار وروح المبادرة. فنظامها يتصف بالجمود من حيث صعوبة الأخذ الاقتراحات وإحداث التغييرات التي تصطدم بالبيروقراطية.

ب- تضييع وقت ثمين للبلد بحيث تؤدي لانشغال القياديين في السلطة المركزية بأمور ثانوية على حساب المواضيع الحيوية والرئيسية.

ج- تحول المركزية دون اتخاذ قرارات ملائمة لطبيعة وظروف الأقاليم والمحافظات مما يؤدي إلى فشل التنظيم في تحقيق أهدافه .

د- البطء في انجاز المعاملات ،نتيجة للروتين الإداري والتعقيد بسبب كثرة الرئاسات المتعددة في الإدارة المركزية وكذلك تكرس أساليب تفقد المواطنين حقهم بإبداء الرأي ببعض القضايا و بالتالي تكرس  الأسلوب غيرالديمقراطي , وكذلك تبطئ اتخاذ القرار وتنفيذه , و لا تأخذبالحسبان  مراعاة ظروف كل منطقة .

لامركزية

وهكذا فالأجدى في أوقات وظروف معينة اللجوء إلى اللامركزية بالإدارة والتي هي :

عبارة عن توزيع المهام والوظائف لمستويات إدارية مختلفة وعدم حصرها بسوية واحدة عليا و كذلك بالنسبة لموضوع الإدارة على مستوى البلد بحيث توزع على كامل البلد المعني وعدم حصره بالمركز مثلاً توزيع الصلاحيات للمحافظين أو لمدراء فرعيين أو تشكيل مجالس وهيئات كما هي بالإدارة المحلية للمحافظات أو المناطق وصولاً للبلديات الصغيرة وإن فشلت هكذا تجارب بسبب الاختيارات لا يعني السوء بالفكرة و رفض التجربة وهو ما عانيناه منذ سنوات لأفكار مضيئة راقية تقوض بالاختيارات عبر التعيينات أو طرق توصيل الأفراد وهكذا فإن المجلس المنتخب يشكل قاعدة مهمة لتطبيق اللامركزية و مكان مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العمومية وهكذا يمكننا التفريق بين اللامركزية السياسية

تتوزع فيها مظاهر السيادة بين الحكومة المركزية وبين المحافظات  ، فيكون هناك سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية مركزية، تمارس اختصاصـاتها على كافة أرجاء محافظات الدولـة، ويقوم بجوارها سلطـة تشريعية و تنفيذية وقضائية في المحافظات أما اللاّمركزية الإدارية:

يقصد بها توزيع الوظائف الإدارية بين الحكومة المركزية في العاصمة وبين الهيئات المحلية المنتخبة، بحيث تكون هذه الهيئات في ممارستها لوظيفتها الإدارية تحت إشراف ورقابة الحكومة المركزيةو لا تكون خاضعة لها خضوعا رئاسيا

ولذلك غالبا ما يقترن موضوع اللامركزية الإدارية بنظرية الإدارة المحلية وبنظام المؤسسات العامة ويتضح من هذا التعريف أن اللامركزية الإدارية تقوم على توزيع الاختصاصات الإدارية بين الحكومة المركزية والهيئات المحلية أي خلق عدد من الأشخاص الإدارية العامة بجانب الدولة تتخصص في إدارتها مجالس تتكون في مجموعها من أعضاء منتخبين بواسطة الشعب على مستوى البلدية والولاية.

ونخلص مما تقدم أن للاَّمركزية الإدارية جانبين ، جانب سياسي وجانب قانوني . فالجانب القانوني يتمثل في توزيع الوظيفة الإدارية للدولة أما الجانب السياسي فيتمثل فيما تقوم عليه اللامركزية الإدارية من توسيع لمفهوم الديمقراطية فتنتقل سلطة التقرير النهائي من الدولة إلى هيئات محلية منتخبة من طرف الشعب لتحمل مسؤوليتها في الإدارة.

حسنات

إن تطبيق اللامركزية يحقق مزايا جيدة ضمن توفر ظروف تطبيقها :

–  فهي تؤدي لقرارات أسرع وأكثر ملائمة وفاعلية للاستجابة وينجم عنها الأمور التالية:

أ- التحسن في تطوير الأداء.

ب- زيادة معنويات المديرين لأداء مهامهم.

ج- توسيع نطاق الوظائف بمختلف الأجهزة.

ويمكن إضافة:

أ- تقريب الإدارة من المواطنين.

ب- اشتراك الشعب بالسلطة.

ج- أسلوب حضاري وديمقراطي.

د- الإهتمام بمشاكل الأفراد.

ه- سرعة اتخاذ القرار وتنفيذه.

فاللامركزية من الممكن أن تكون مؤثرة وفاعلة عن طريق إعطاء المرؤوسين سلطات واسعة بينما في نفس الوقت تفرض الرقابة المركزية على أنشطة معينة تساعد على تأكيد نظام قابل للتطبيق وأكثر استجابة. وعموما فان مزايا اللامركزية تعتبر عيوب المركزية.

عيوب

تنطوي اللاّمركزية عادة على جملة عيوب وهي:

أ- إن التمادي أو المبالغة في تطبيقها بشكل مطلق يمكن أن يؤدي إلى المساس بوحدة الدولة وقوّة وسلطة الإدارة المركزية عندما تعطى الأولوية للمصالح المحلية وتُأثر على مصلحة الدولة ، وهذا ما يؤدي إلى زرع النزعة الجهوية وخلق الفرقة في البلد الواحد.

ب- تتكون الهيئات الإقليمية من مجالس منتخبة ، منها ما ينجح بفعل تأثير الدعاية الحزبية ، دون وجود برنامج تسيير ناجح، مما يؤدي إلى ضعف مردودية الجهاز الإداري بسبب عدم الدراية بأساليب العمل الإداري وقواعده .

ج- إنشار البيروقراطية والمحسوبية.

د- تؤدي إلى إنشار الإدارات الجهوية

تشتت

 

توفر طرق الرقابة المناسبة على أداء الجهاز التنظيمي المفوَض إليه السلطة..و بعيداً عن أنماط اللامركزية فإنها اللامركزية تظل مصحوبة إلى حد ما بدرجة من المركزية الأمر الذي يجعل طبيعة الموضوع قابلة للجدل والنقاش. وهكذا فاللامركزية صيغة أو تطبيقا أكثر ديناميكية يرتبط ارتباطا وثيقا بالبيئة المطبق فيها وظروفها أكثر من كونها نظرية جدلية لتتحول إلى تطبيق جدلي يعتمد على التجربة والخطأ في كثير من الأحيان أكثر من إعتماده على النظرية.

لذلك يظهر دائما عدم وجود نظريات محددة لشرح ماهية اللامركزية إلا أن بداية انطلاق التنظير من أجل اللامركزية كانت في خمسينيات القرن الماضي حيث تطورت في كتابات أصحاب نظرية الاقتصاد ما بعد الكلاسيكي. لكن مع بداية سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي تحولت اللامركزية إلى إستراتيجية عامة في مجال التنمية الإدارية وتتعلق تعلقا رئيسيا بالشكل السياسي للحكم و في الأوقات الأخيرة حاولت قوى السيطرة تدويل المصطلح وهو ما أفرز الخوف منه وزاد على تفويض ونقل السلطة الخصخصة لتكون من دعائم تطبيقها ودول مثلما دولت مصطلحات الديمقراطية وحقوق الإنسان كحق يراد به باطل وأدوات للتدخلات المدمرة في بنية البلدان وهو ما سمعناه تضليلياً للوصول لصيغ تقسيمية وتفتيتية و من المؤكد أن ظروف البلدان هي الميزان لاستخدام أي الصيغتين ولكن إلباس اللامركزية لبوساً لتمرير مشاريع مبطنة نهايتها التجزئة و التقسيم يلقي معارضة كبيرة و تصبح المعايير التي كانت موجودة لتفعيلها أشد وأقوى و لا يعني فشل تجارب اللامركزية ومنها الإدارة المحلية عبر إيصال أدوات فاسدة وفاشلة فشل المصطلح و لكن تفريغه وأي إصلاح من ناحية إيصالات لكوادر مهنية وطنية نزيهة يعيد للتجربة ألقها و يقوض النوايا  السوداء لأبواق الغير الهادف لاستمرار الاستنزاف و الابتزاز و الاستهلاك.

الدكتور سنان علي ديب / جمعية العلوم الاقتصادية //.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]