تغيير العملة لمكافحة “الأموال السوداء” بعد الحرب على سورية ..

 

 

الخبير السوري:

تبدو المطالبة بتغيير العملة ضرباً من ضروب “الكفر الاقتصادي”، في أذهاننا نحن المسكونين بالاعتبارات المعنويّة لدلالات ورمزيّة ليرتنا، فهي فعلاً تجلٍّ بارز من تجلّيات الهويّة الوطنيّة، لكن علينا الاقتناع بأن نترك البعد المادّي بين قوسين، ونحن نبحث مثل هذه المسائل الجوهريّة في قوام منظومتنا الاقتصادية، فتغيير الملامح لا يقلل بتاتاً من هيبة أي عملة وطنيّة أو يؤثّر على الاقتصاد الذي تمثّله.

الآن وبعد سنوات مضنية من الحرب البغيضة على بلدنا، لا نظن أن التفكير بإجراء بعض التغيير في تفاصيل أوراقنا النقديّة، ولو مجرّد لونها، بات خياراً غير لازم بل هو ملحّ، لأسباب كثيرة يتصدرها العامل النقدي بالغ الحساسيّة، الذي لا يعترف أبداً بالعواطف ولا بالتعاطي الكلاسيكي المبني عليها.

فالمعلوم أن الإدارة النقدية اختارت خلال سنوات الأزمة، لا سيما في عهد الحكومة السابقة، اللجوء إلى خيار التسييل الكمّي لمجاراة التضخّم الحاصل، ومعالجة انخفاض القوّة الشرائيّة للّيرة، وكانت النتيجة كمّاً كبيراً من الوحدات النقديّة التي أنتجتها إصدارات متعددة لم تكن إلاّ استنساخاً بلا ضوابط لوحدات الليرة بكل فئاتها، وباتت تماماً ديناً داخلياً لا بدّ من تسديده عاجلاً أم آجلاً.

الخطير في المسألة أن حجم الإصدارات الكليّة غدا اليوم مبعثراً وربما ضائعاً، وهذا احتمال موضوعي في ظل الظروف التي مرّت بها البلاد، فبعض عملتنا أُتلف عمداً في المناطق التي عاث فيها الإرهاب تخريباً وتدميراً، وبعضها تم تهريبه إلى خارج الحدود لغايات تجارية، و أخرى سياسية منظّمة كجزء من وسائل النيل من الاقتصاد السوري وصمود الدولة بشكل عام، وقد سمعنا وقرأنا تقارير كثيرة تتحدّث عن اضطلاع دول متعددة بمهمة شفط العملة السوريّة من الداخل، للتأثير على المعروض النقدي وإرباك الحكومة والمواطن معاً، وربما من المهم أن نعترف بأنّ كميات كبيرة تمّ ترحيلها إلى الخارج وفق إملاءات هذا الهدف القذر، ومن الصعب حصرها حتى ولو بشكل تقريبي.

ومن جانبٍ آخر وعلى مستوى اقتصادي محلّي، نعلم أن الكتلة النقدية الأكبر باتت في أيدي “نخبة” حائزين، لا بدّ للدولة من معرفة هوياتهم، لأن ما بحوزتهم لم يعد مجرّد أرقام بسطية أو قليلة، بل يشكّل الكتلة الأكبر من إجمالي الأموال الباقية داخل البلاد.

هي مسوّغات موضوعيّة لإجراء تعديلات طفيفة على مظهر الفئات النقدية لعملتنا، تتيح إمكانيّة الحصر الدقيق للكتلة النقديّة الكليّة، المتداولة والمخبأة في جُعب الحائزين، لأنه من الضروري ربط حجم الإصدار النقدي بمعيار المعادل الإنتاجي والآخر المتعلّق باحتياطي العملات الأجنبيّة، فعلى هذا الأساس سيصار إلى إقرار عتبات التسعير الإداري للّيرة، بما يتماهى مع مصالح المستهلك و المنتج والمصدّر في آنٍ معاً .

الفكرة مكلفة وربما باهظة التكلفة، هذا أكيد، لكنها أساسية كخطوة يجب أن تكون سابقة لكل إجراءات ترميم التشوهات التي لحقت باقتصادنا، وربما أولويّة متقدّمة في توجهنا نحو إعادة رسم ملامح سورية ما بعد الأزمة، ولا بأس أن يصنفها من شاء بأنها “أبغض الحلال النقدي”، فالضرورات تبيح المحظورات دوماً.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]