بانتظار الفعالية..الأمل وقود الإصرار..بقلم :د.سنان علي ديب

 

لا يمكن لأي كان أن ينكر ظواهر الارتقاء الاقتصادي مقارنة بما وصلنا له نتيجة ما نجم عن الحرب المعقدة و الهادفة لقتل الجسد والروح السورية و تدميرها بحيث تصبح بقايا دولة فاشلة منهارة و أصدق مما يدل على ذلك حجم التدمير من قوى الإرهاب أو من داعميهم من دول وحكومات بحيث طال التدمير أغلب البنى التحتية, تعليمية ,صحية, جسور, أبنية ومعامل ,و كذلك أغلب الكفاءات و توسيع حجم الدماء , و ما يؤكد ذلك الرهان على الإسقاط الاقتصادي للدولة السورية , ورغماً عما سلف كان هناك صمود غير مسبوق شعبي و مؤسساتي مقوى بحجم تراكمات اقتصادية و مالية سابقة نتيجة سياسات انطلقت من الواقع ولامست متطلبات الجماهير وأوجدت المسارب الضرورية للوصول لأبعد ما يمكن أفقي و عمودي بالتنمية بمختلف أنواعها وما يضمن شبه توازن حتى بين الريف و المدينة هذا التوازن الذي كان الهدف الأهم لسياسات ما قبل الأزمة ضربه و تهشيم البنى و ضرب الاستقرار ليتحول إلى وباء كارثي يستثمر لتنفيذ مآرب خارجية تتقاطع مع مآرب داخلية لقوى متناغمة و معتمدة من قبل الآخرين ورغماً عما سبق ذكره لم تكن الإدارة الاقتصادية بجوانبها المختلفة المادية والمالية و النقدية و الخدمية   للأزمة بما يماهي قسوة ما يحاك و يفعل وإنما كان هناك سلوكيات مبهمة غامضة انعكست على معيشة المواطن الصامد الصابر البيئة الحاضنة لأبطال المؤسسة العسكرية الرقم الصعب في الحفاظ على الأرض و العرض و صون الدماء ,وما يؤكد كلامنا هو القيام بخطوات توضح صحة رؤيتنا سابقاً و التقصير في معالجة أمور كثيرة تخص معيشة المواطن و الوضع الاقتصادي بشكل عام .

ارتباك

فرغماً عن القيام بإجراءات شكلية و هيكلية تتماشى مع ظروف الأزمة و تخفف من أعبائها لم تستثمر هذه الهياكل الاستثمار الصحيح ومنها وزارة حماية المستهلك , فبعد عام على بدء الأزمة في البلاد، وتحديداً 2012 سارعت الحكومة إلى فصل وزارة التموين سابقاً عن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وسمي المولود الجديد «وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك»، وسلحت بقوانين قيل عنها آنذاك: إنها الأكثر عصرية وحداثة، وأنيطت بها مواجهة آثار الأزمة الاقتصادية، ولاسيما الجانب المتعلق بارتفاع الأسعار والخلل الحاصل في الأسواق، لكن بعد خمس سنوات على وجود الوزارة يحق لنا أن نسأل عن الإنجازات المحققة، ولاسيما تلك المتعلقة بحماية المواطن من الاحتكار والجشع من التجار فبعد أن  أجمع أغلبية المواطنين على الأداء السلبي للوزارة أثناء الأزمة، مسجلين تذمرهم وسخطهم الكبير للوضع المأسوي الذي وصلت إليه حال الأسواق والارتفاعات الجنونية لأغلبية السلع والمواد المتفلتة من كل القوانين والأعراف، مؤكدين غياب الرقابة التموينية، مطالبين بسحب ملف التسعير والرقابة على الأسعار منها لفشلها الذريع فيه وتلطي أغلبية العاملين في القطاع الرقابي خلف هذا الملف لتحقيق مكاسب مادية غير مشروعة على حساب المواطن ولقمة عيشه، واعتبر المواطنون أن التجار قد أكلوا البيضة وقشرتها، وهم أسياد السوق الحقيقيون المتحكمون بآليات التسعير بلا منازع، متسائلين: هل محاربة الغلاء تكون عبر إصدار القرارات والتعاميم والتصريحات النارية والوعيد والتهديد؟ .

فشل

ورغماً من أن توقيت إنشاء هذه الوزارة كان ضرورياً بسبب ظروف الأزمة وتداعياتها وضرورة تدخل الحكومة لضبط الأسعار من جهتين، الأولى التدخل الإيجابي في الأسواق من خلال مؤسساتها، والثانية من ناحية الرقابة والمتابعة المستمرة للأسعار، فإن الوزارة لم تنجح في الحالتين لأسباب ذاتية وموضوعية، ولعدم وجود الأدوات والصلاحيات، وإن وجدت لعدم وجود النيات، حيث خلقت هذه الوزارة واستمرت كواجهة أو ديكور، عملها يحابي الاحتكار ويكرس أسعار السوق، ولم تخلق شيئاً جديداً يخدم المواطنين والأهداف التي وجدت لأجلها، فالأدوات الرقابية هي ذاتها التي كان يشتكي منها المواطن، هدفها الاستفادة وليس الضبط، أدواتها غايوية وليست وسيلة للعقاب والردع، ومؤسساتها تستجر بضائعها من التجار نفسهم من دون القدرة على المنافسة وكسر الأسعار. في الأوقات الراهنة حصلت تغيرات هيكلية ونشاط واضح في عمل الوزارة، لكن بالعقلية والأسلوب السابقين نفسيهما، ولم تجدد الأساليب لتحقيق الأهداف، ورغماً من ذلك فإن طرح فكرة إلغاء الوزارة أو إقصاء ملف التسعير والرقابة عن صلاحياتها و التي تداول سابقاً كان خطأ، ولكن  يجب الترميم والإصلاح لضرورات المصلحة العامة والظروف الأزموية، ولاسيما بعد طرح مشروع التطوير الإداري الذي يجب أن يكون منطلقاً لتحديد الإمكانات والحاجات لتحقيق الأهداف مع ضرورة الاستمرار بالمراقبة والمتابعة والمحاسبة المستمرة الدائمة، وإن امتلاك ووجود أدوات حكومية لفرض ما يناسب المواطن ضروري في ظروف الأزمة الراهنة,و الإجراءات التي أتخذت بالفترة الأخيرة بخصوص بعض الأسعار لبعض السلع و الذي ترافق بزخم إعلامي, أغلبه إعلاني دليل القدرة في حال توفر النوايا ,و كان الضوء يسلط على عمل مجد و جهد فوق عادي لكسر الأسعار عبر حملات مستمرة لبعض السلع ولكن قوبل بتأفف جماهيري فما زالت السلع الأساسية بيد قلة من المحتكرين علماً، أن الاحتكار حالة قديمة سابقة للازمة لأغلب السلع الأساسية سواء اعترفت وزارة التجارة الداخلية فيه، أو لم تعترف, و أن البعد عن إعطاء السلع بأسعار منخفضة نسبية بحجة رفع الدعم و إعجازات التسميات مثل توصيل الدعم لمستحقيه أو رفعه أو عقلنته  مميزة وخاصة للسكر والشاي والزيت وغيرها كرس الاحتكار لهذه المواد من قبل قلة محصورة العدد وحتى مصانع الحكومة من السكر ضاقت بالمخزون ولم تتدخل الحكومة,وقد كانت الحملة الكبرى على الشاورما و المتة  , علماً أن مادة المتة ليست أساسية وبالتالي سلوك الوزارة لا يوصلنا للغاية النهائية في التدخل الايجابي والذي أهم أسسه هو الاستيراد المباشر للمواد بما يؤدي تلقائيا لكسر الأسعار ومن ثم الخوض بالتسعير الإداري العادل,و إن حملة كسر الأسعار على بعض السلع من قبل الوزارة المعنية دليل على ما كان يتعرض له المواطن من غبن و ما تمتع به أصحاب النفوس المريضة من جشع…وكلنا يعلم  في ظل الأزمات والتعافي هناك قوانين استثنائية غايتها الانطلاقة الصحيحة للاقتصاد وتأمين مستوى معيشي للمواطن، في البدايات قد تكون الإدارة الاقتصادية عملت ضمن منطلقات عامة همها الأمان الاقتصادي القائم على الاستمرارية الاستراتيجية ضمن محددات العقوبات و الحصار والابتزاز. للحفاظ على الاحتياطات والاعتماد على قلة ثقافة بالنسبة للحكومة..ورغم من ذلك التعافي وانفراج الأوجاع يجب أن يرافق بسياسة جديدة , تعتمد على إصلاحات إدارية تصيب الهياكل و الأدوات و الكوادر و التشريعات بحيث تكون العقوبات ليست غاية وإنما وسيلة و الحملة الأخيرة ووفق معطيات غير مناسبة من حيث كوادر سلوكها السابق يتوجه الفساد المتغاضي عن فوضى الأسعار و الاحتكار و النوعية و هذا لا يستطيع أحد نكرانه خلال الأزمة و قوانين مطاطية تصيب من تريد و تحمي الآخرين ووسط آليات مضبوطة لمنع التسعير المتدحرج من جهة و لتفوق المحتكرين بقلتهم على أي مورد جديد و عرقلة مؤسسات التجارة الخارجية أو مؤسسة التجارة عن التوريد المباشر , ومهما أبدعت الوزارة بالانضباطية و تطبيق القوانين تبقى هوامش الفائدة المنعكسة على المواطنين قليلة في ظل استمرار سعر الصرف وفق أسعار الطاقة المنعكسة على ارتفاع أجور النقل و تكلفة الإنتاج .

سوق القطع

هنا يلوح بالفكر ما هي السياسة النقدية المتبعة ولما لم ينعكس الانتعاش الاقتصادي و الاستقرار القائم على انتصارات المؤسسة العسكرية على سعر الصرف طالما كان هذا السعر يتأثر بما خسرته الدولة آنياً من أراضي و في ذروة الظروف الصعبة الطبيعية بعيداً عن المضاربات و اللعب الداعية لتدمير الاقتصاد عبر قتل الليرة لم يتجاوز السعر 470 ليرة طبعاً بعد القفزة الكبيرة الآنية لـــــحدود 620 ليرة ليستلم الحاكم الجديد الدولار بـ470 ليرة وسط ظروف متطورة نحو الأمان و الانتعاش الاقتصادي و تطور الاقتصاد الأفقي و العامودي و بيئة داعية للاستثمار وإشارات اقتصادية متفائلة و تصريح خطير لحاكم المصرف عن ضبطه للسعر بما يحافظ على قيمة الدولارات للذين اكتنزوه بدل الليرة و هل هذا واجب المصرف لأشخاص ساهموا بالمضاربة على الدولار و ماذا سيقدم لمن رفض تبديل العملة السورية وحافظ على ما يحتفظ به و نزلت قيمته 10 أضعاف وما الفائدة من هكذا سعر صرف وقد كانت السيرورة تتجه نحو الانخفاض الحاد بسبب تخوف المكتنزين أو المحتفظين فالاكتناز للذهب عادة , هل هناك مخطط لجلب سيولة فائضة عبر توسيع الاعتمادات مترافقاً بتوسيع المستوردات أم أن سياسة دعه كما هو فلا نحاسب مخطئين أم أن هناك قوى داخلية أو خارجية تمنع تخفيضه وخاصة كلنا يعرف أن انخفاض سعر الصرف سيؤدي لخفض الأسعار وسط تكامل التعامل الحكومي ما سيمكن من خفض أسعار الطاقة و بالتالي سينعكس على جميع السلع و هو ما يؤدي لتحسين أشمل وأوسع أفقي وعمودي لمستوى معيشة المواطنين وهو كان الحل المقترح من أغلب الواقعيين العقلاء بدلاً من زيادة الأجور ذات المنعكسات السلبية الكبيرة تضخمياً أو تمييزياً علماً أن أكثر من آذته الأزمة أصحاب الرواتب و الأجور بشكل عام وسط فوضى الأسعار و الذي كان غالباً يترافق مع فوضى أسعار الصرف .

تكامل

إن للسياسة النقدية وفق برنامج واضح يتماهى مع أولويات الحكومة المتوافقة مع حاجة البلد و المواطن دور أساسي وهام في الانطلاقة الاقتصادية بكافة قطاعاتها بما في ذلك القطاع الزراعي و الذي حقق لنا الأمن الغذائي عندما كان هناك تشاركية بين الفلاح و الحكومة عبر تأمين المستلزمات و تحقيق البنى التحتية و تسويق أغلب المحاصيل , ويجب أن يعلم مسؤولينا ما ينجم عن تصريحاتهم من انعكاسات نفسية و مادية  وأن الدم السوري و من وقف مع الوطن هم الأحق بسياسات الحكومة و ليس كما صرح مسؤولنا النقدي, وكلنا يعلم تصريحات النائب الاقتصادي أول الأزمة بأن قلب الاقتصاد السوري يتدمر و استمر الاقتصاد بعد ذلك 5 سنوات بصمود أسطوري رغماً مما تسبب به التصريح من ضغط على سعر الصرف و السلع  , وكذلك كان لافتاً بشكل إيجابي إعادة شاملة لتقييم مؤجرات الحكومة للمستثمرين بمختلف حجم استثماراتهم و تحقيق فوائض وإعادة أموال كانت مسلوبة ولو عبر قوانين وقعت من قبل فاسدي و هادري أموال الحكومة و هذا التصرف كان يحتوي إن وضعناه تحت المجهر غبن للحكومة بسبب عدم رجعية القوانين ومحاسبة الفاسدين و إن من نظر إلى أنها قوانين إذعان لا يعلم ماذا تعني الحكومة ولا يعلم صلاحياتها و لا يعلم أن القوانين وضعية تتغير حسب الضرورة .

إمكانات

إن الإجراءات الأخيرة تدل على القدرة إن توفرت النوايا و تخبأ ببواطنها تقصير سابق مقصود أم إهمال و تقصير لا نعرف ولكن ما نعرفه أن خدمة المواطن يجب أن تكون هي المعييار وأن هؤلاء عينوا لخدمة الوطن والمواطن و المؤسسة العسكرية حامية العرض و الأرض ولا يجب أن يكونوا عباًعليهم و سبباً من أسباب مآساتهم ,فما نجده من تصريحات و تنظيرات أغلبها  دعائي طالما لم يصل للسلع الأساسية المنعكسة على مستوى المعيشة فمثلما أحسسنا بالأمان بما حققته المؤسسة العسكرية لن نصدق الإدارات المدنية من دون انعكاس سياساتها على معيشة و رفاهية المواطنين …وإن الحملة الإعلامية والفرض القوي للقوانين لو توسعت على السلع الأساسية و على المواجهة و الإحاطة بالفاسدين  و لكان سلوك بناء بما ينظر للتكاليف وان يكون هذا السلوك مستمر.

إن المرحلة القادمة يجب ان تكون تنموية غايتها تحسين معيشة المواطنين عبر كسر الأسعار وتحسين صرف الدولار..كسر الاسعار من دون تدخل مباشر للحكومة عبر شراء مباشر للسلع وزيادة وتوسيع عدد الموردين للمواد..وكذلك توسيع السلع التي يجب اعادة النظر بها لنصل للوقود ذي التأثير الإيجابي التلقائي على مختلف نواحي المعيشة .

د.سنان علي ديب

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]