غربلة رجالات البزنس و المعيار خيارات الإعمار

 

سورية بلا شك بلد الامتياز الحقيقي للاستثمار، ويزاد هذا الاستثمار قيمة في مرحلة الإعمار ذات الفرص الدسمة، ولدى عودتنا قليلاً إلى الوراء وتحديداً لسنوات الرخاء الاقتصادي قبل الأزمة، نجد أن هذا الامتياز لم يكن له ذلك الانعكاس الملموس على مجالات التنمية الحقيقية بشقيها الاقتصادي والاجتماعي، ولعل سلطاتنا التنفيذية تتحمل المسؤولية في هذا الجانب، عبر جذبها لمستثمرين لا يبالوا برد ولو جزء مما منحته من تسهيلات استثمارية.

وعلى اعتبار أننا على أعتاب مرحلة تنموية استثنائية، فعلينا استحضار الاستفادة من دروس الماضي لضمان الاعتماد على مستثمرين جادين بالفعل خاصة في المسار الإنتاجي الحقيقي، إذ أن الأزمة الحالية تعتبر بشكل أو بآخر اختباراً مثالياً كشف حقيقة رأس مالنا الوطني ورواده الذي لم يتوان بعضهم لحظة شعورهم بالخطر على ثرواتهم واستثماراتهم عن اتخاذ قرارات سريعة دحضت كثير من مزاعمهم بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وما تسريح العمالة –ومعظمها- غير مؤمنة اجتماعياً، والهروب للاستثمار في الخارج، إلا دليلاً دامغاً على نكران الجميل، وإيمانهم المطلق بمبدأ (رأس المال جبان) والذي على ما يبدو بات منهجاً رئيساً في عملهم، ودفعهم للبحث عن أسواق جديدة يمكن أن يحققوا فيها طموحاتهم المالية غير المحدودة تتمتع بمزيد من الاستقرار وميزات تنافسية في عدد من الصناعات لضخ استثمارات جديدة فيها، يستمر من خلالها دوران عجلة إنتاجهم.

في المقابل لا يمكننا نكران وجود قامات اقتصادية ذات شأن كبير عملت بصمت منذ زمن طويل بعيداً عن الأضواء، ولها بصمات واضحة في اقتصادنا الوطني، وقد آثرت البقاء رغم تداعيات المرحلة، ولم تقم بتسريح أي عامل شدة ووطأة الظروف، ومع هذا كله لم تثن عزيمتها وبقيت راسخة في مشهدنا الاقتصادي كعلامات فارقة يصعب إزالتها متحدية كل الظروف والصعوبات.

بالتأكيد نحن نقدر ما تقوم به شريحة قطاع أعمالنا من دعم للاقتصاد الوطني ولا نقصد من تناولنا لهذا الموضوع التجني على رجال أعمالنا من التجار والصناعيين والنيل من جهودهم، وإنما القصد هو الوقوف على ما تحتمه المرحلة الراهنة من التزامات لابد من الاضطلاع بها كل حسب موقعه، لاسيما أن شريحة قطاع الأعمال حصلت على امتيازات ضريبية، حيث أن المشرع زاد معدلات ضريبة الرواتب والأجور فرفعها بالشريحة الأخيرة من 15% إلى 20% وهذا على حساب العدالة الضريبية، بينما معدلات ضريبة الأرباح انخفضت من 66% عام 1949 إلى 45% عام 1991 ومن ثم إلى 35% عام 2003 لتنخفض عام 2006 إلى 28%، في حين معدلات الرواتب والأجور ارتفعت بدلاً من أن تنخفض وهذا على حساب العدالة.

وبالعودة إلى مدخل حديثنا لم يخف القاصي والداني من المستثمرين حقيقة أن الاستثمار في سورية اليوم له أعلى مردودية من أي استثمار في العالم، وذلك على اعتبار أن سورية مقبلة على مرحلة إعادة الإعمار، وبالتالي فإن الاستثمار في الأخير مجزي وعوائده سريعة، وهذا يعني يضعنا أمام مسؤولية التركيز على استثمارات مباشرة تأتي برؤوس أموال من جهة، وتأتي بتكنولوجيا ليتم توطينها لاحقاً في سورية من جهة ثانية، مع مراعاة الأولوية للشركات المشهود بجديتها وبملاءتها المالية، دون إغفال مبدأ التعامل بالند في حال التعاون بين الجهات الحكومية.

وفي السياق ذاته تجدر الإشارة إلى أنه يستوجب على قطاع أعمالنا الاضطلاع بمسؤولياته الاقتصادية والاجتماعية، خاصة وأنه قد مرت فترة طويلة على سورية كانت الحكومة بمثابة الأب الذي يرعى المواطنين والمنشآت الاقتصادية عبر دعمها للمحروقات وغير ذلك من وسائل الدعم التي كانت تقدمها لقطاع أعمالنا، واليوم تعيش سورية مرحلة حرجة تستدعي أن تكون فعاليات هذا القطاع على قدر كبير من تحمل مسؤولياتها، لا أن تهاجر بعد أن قطفت ثمار امتيازات ما كانت تحققها في كثير من دول العالم، خاصة تلك التي نشأت وترعرعت من ألفها إلى يائها في ظل حماية ورعاية حكومية، وللإنصاف نذكر أن بعض رجال أعمالنا ممن لمعت أسمائهم وشهرتهم الاقتصادية في بلاد الاغتراب، لم يتنكروا لبلدهم في ظروفها الحالكة فقدموا مبادرات إنسانية وخدمية للمتضررين على اعتبار (ما حك جلدك مثل ظفرك).

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]