لعنة “البريستيج” الأجوف.. دفعتنا لمقاطعة الثروة الحيوانية والشغف بتربية القطط والكلاب والغرق في دوامة البطالة

 

الخبير السوري:

لعقود خلت يندر بل يستحيل أن تجد أسرة ريفية لا تملك حيوانات منتجة من بقر وأغنام وماعز، وكثير من القرى كانت تنظم الرَّعي الجماعي لمواشي القرية, ولكن قطرنا شهد في السنوات الأخيرة ضعفا في نمو الثروة الحيوانية لأسباب عديدة, وفي طليعتها بعض التعليمات الناظمة في البلديات والمراكز الصحية, واعتراضات السكان المجاورين, ما يحد بل يمنع التربية المنزلية, وتشييد الحظائر القريبة من المساكن, فضلاً عن أن الذين يأنفون من التعايش مع الحيوانات المنتجة يتزايدون, ولكن مقتني الكلاب والقطط الذين يتزايدون لا يجدون غضاضة من تعايشهم معها وقربهم منها, وغالباً لا يجدون أية ممانعة من البلديات ولا من الجهات الصحية ولا اعتراضات من الجوار.

والجدول التالي يبين أعداد أهم أنواع الثروة الحيوانية خلال سنوات ماقبل الحرب على سورية ، إذ لم تتوفر إحصاءات جديدة منذ العام 2010.

لكن في الجدول مؤشر يمكن أن يضيئ جانباً كبيراً من مشكلتنا مع ما يمكن تسميته ثقافة الحياة ، و الإقلاع عن مسارات التنمية الحقيقية نزوعاً باتجاه خيارات ترفيهيّة جوفاء.

  

السنوات   عدد الأبقار/ ألف رأس   عدد الأغنام / ألف رأس   عدد الماعز / ألف رأس
العدد الكليالحلوب منهاالعدد الكليالحلوب منهاالعدد الكليالحلوب منها
2005108356119651130191295880
2006112159721380142391420966
20071168630228661577115611064
20081109607192371348215791091
20091085605183361212215081005

  

تنمية الثروة الحيوانية في الريف مدخل لمكافحة بطالته وتنمية اقتصادية مستدامة

    

مفارقات    

 

أظهرت الإحصاءات الأخيرة للثروة الحيوانية في القطر السوري, نهاية عام /2010/, أن عدد الأغنام /15.5/ مليون رأس غنم, وعدد الأبقار/1.1/ مليون رأس بقر, ومن خلال قراءة الجدول أعلاه يتبين مدى الضعف الكبير في نمو الثروة الحيوانية, والغريب في الأمر أن المهوِّلين (بعض المسؤولين أوغيرهم) من خطر تزايد النمو السكاني, لا نسمع تهويلهم ولا يشغلهم خطر ضعف نمو الإنتاج الزراعي والحيواني, ويندر أن يشير أحد منهم لذلك, علماً أن المصلحة الوطنية الاقتصادية تقتضي زيادة الإنتاج الزراعي وإنتاج الثروة الحيوانية, بما يتواكب مع الزيادة السكانية وحاجاتها بل يزيد, وليس الثبات أو التراجع, وخاصة أننا نلاحظ أن ضعف أو ثبات الإنتاج لا يرافقه ضعف أو ثبات الاستهلاك, بل إن الاستهلاك يزيد بدليل أن سوقنا الاستهلاكية مليئة بالعديد من المنتجات الزراعية والحيوانية القادمة من خارج الحدود, والتجار الكبار وأصحاب رؤوس الأموال منهمكون باستيراد هذه المنتجات من الخارج, ويروجون لتسويقها, ويبدون ضعف الهمة والرغبة والاستعداد لاستثمار أموالهم في تنمية الإنتاج المحلي زراعة وتصنيعاً, ونحن البلد المتعارف عليه تاريخياً وعالمياً أنه بلد زراعي, والغريب أن نعاني من بعض البطالة (التي يعمد البعض لتضخيمها بأكثر من حجمها) ولدينا العديد من مقومات تشغيل العاطلين عن العمل, فلماذا لا ننتج ونصنِّع في قرانا وبأيدي مواطنينا المواد الزراعية والحيوانية التي نستوردها, ونعمل بكل طاقاتنا باتجاه تمكين قطرنا من مرحلة تصدير كمية كبيرة من إنتاجنا.

 

مشروع استدراكي

 

جميعنا يعرف أن ما يحتاجه الريف من مهن تجارية وصناعية وخدمية, لا يكفي إلا لتشغيل عدد محدود من طالبي العمل, ما يقتضي تكاتف الجهود الرسمية والشعبية لإيجاد مخرج لتشغيل البطالة الموجودة في الريف, وأنه يمكن تحقيق ذلك عبر مشروع متكامل يؤمن فرص عمل ودخلاً أسرياً للكثيرين, والمشروع الذي يبدو قادراً على مكافحة نسبة كبيرة من بطالة الريف هو مشروع تنمية الثروة الحيوانية, هذه الثروة التي كانت مصدر عيش أغلب سكانه, فليكن في منظور كل مسؤول ومواطن أن تنمية الثروة الحيوانية مدخل لتنمية الاقتصاد الوطني عبر تنمية الإنتاج الزراعي, ما يشكل المدخل الأساس لحل مشكلة البطالة, عبر قيام السلطات المعنية بطرح مشروع تمكين كل عاطل عن العمل في الريف, من تربية بقرتين على الأقل, إلى جانب تشجيع إقامة عدة مزارع أبقار أو أغنام (ضمن حظائر) تعود للدولة أو للقطاع التعاوني أو الخاص ضمن أراضي كل قرية بأحجام متعددة, في ضوء ما تسمح به المساحات والوضع الجغرافي والبيئي, حيث يتم من خلالها تأمين عمل لكل طالب عمل في كل قرية لا تسمح له ظروفه بالتربية المنزلية.

 

محفزات

 

ولعل من المناسب أن تتولى وزارة الزراعة التنسيق مع رجال الأعمال السوريين والمستثمرين العرب والأجانب والمصارف العامة والخاصة, والمسارعة في تنفيذ هذا المشروع, ومن المؤكد أنها ستحقق من خلاله حزمة من الإيجابيات أهمها تشغيل مئات آلاف الأيدي العاطلة عن العمل, التي تفضل العمل في مقر إقامتها المعتاد, ومن مختلف المستويات التعليمية, وتأمين حاجة ومتطلبات القطر من المنتج الحيواني.

كما أنه ومن خلال هذا المشروع ستتوفر فرص التأسيس لصناعات تضمن توفير متطلبات تصنيع مستلزمات الإنتاج الحيواني وتصنيع منتجاته الفائضة عن الاستهلاك اليومي، وتسويق مستلزمات التصنيع, وكل ذلك سيؤدي إلى تشغيل أيدٍ عاملة جديدة بما في ذلك التي ستعمل في المنشآت التجارية والخدمية التي ستسوق مستلزمات الإنتاج, ومستلزمات التصنيع ومنتجاته.

ثم إن تنمية الثروة الحيوانية ستؤمن سماداً عضوياً للزراعة يوفر الكثير من قيمة السماد الكيماوي, وخاصة أنه يوجد مسعى علمي عالمي لتنمية الزراعة العضوية, فكل بقرة ( أو خمس أغنام) تنتج سماداً عضوياً سنوياً يسمِّد قرابة خمس دونمات زراعية, وهذا سيساعد في توفير قيمة السماد الكيماوي المطلوب تخفيف استخدامه علمياً وصحياً ودولياً, ما سيؤدي لإنتاج زراعي أكثر تنوعاً وأغزر إنتاجاً, ما كان منه متعلقاً بما يعود منه غذاءً للإنسان أو علفاً للحيوان.

وسيساهم تنامي الثروة الحيوانية في الريف في تمكين المواطن الريفي من الإصرار على استمرارية السكن في قريته ويحافظ على أرضه, ما سيخفف من الهجرة باتجاه المدن ويخفف من تضخم أزمة السكن فيها, ولكن إنجاح هذا المشروع الكبير والمهم جداً, يتطلب إجراءات مهمة وأساسية للبدء به, وخاصة أن مقومات هذا النجاح متوفرة, من خلال وجود قطاع مصرفي كبير مملوء مالياً, ويجب ألا يقتصر نشاطه على ميدان تجارة الأموال.

 

تمويل لازم

 

وعلى المصارف (ويُفضَّل المصارف الخاصة التي بلغ عددها أكثر من عشرين وفروعها زادت على المئة ومنتشرة في كل سورية, ولكي تؤكد هذه المصارف الدور التنموي الذي زعمت أنها دخلت للقيام به) تقديم القروض المصرفية بفوائد رمزية جداً للذين سيعملون في التربية المنزلية, من خلال منح قرض يؤمن شراء /2 – 5/ بقرات لكل مربٍّ منزلي, وأن تعمل هذه المصارف على تشييد منشآت الحظائر الكبيرة في الأراضي الزراعية المجاورة للقرى وتتولى هي تمويلها, تحت عنوان شركات تنمية الثروة الحيوانية لتحقيق المزيد من الإنتاج الحيواني، شريطة قيامها بمتابعة المقترض للتأكد من قيامه باستثمار القرض لغايته.

ثم قيام مصارف أخرى بتأسيس شركات تصنيع المستلزمات اللازمة للإنتاج الحيواني, وتحديداً ما يلزم من الأعلاف, وأيضاً شركات تصنيع المنتج الحيواني الفائض عن الاستهلاك اليومي, وأيضاً إحداث شركات استثمار زراعي جماعي للعديد من الحقول لغاية إنتاج العلف الأخضر والمجفف محلياً. على أن تقوم هذه الشركات نفسها بتسويق مستلزمات التصنيع ومنتجاته داخلياً وخارج القطر، حيث يتوفر للمربين المنزليين وللمنشآت الكبيرة من يضمن لها توفر جميع المستلزمات في حينها وتسويق المنتجات دون أي تأخير أو انقطاع وبسعر اقتصادي, يضمن تحقيق ريعية كافية للمربي المنزلي وللمزارع الجماعية, وخاصة أن الجميع يعلم أن تراجع تربية الثروة الحيوانية في سورية يعود في كثير من الحالات إلى ضعف الريعية بسبب ضعف انتظام تأمين المستلزمات, وضعف انتظام تصريف الإنتاج, ومن المؤكد أن إقبال المصارف الخاصة على القيام بهذا الدور سيقوِّي من عضدها ويدعم ثقة المواطن السوري والدولة بها, ويؤكد أنها جاءت للاستثمار في سورية, لا لأن تستثمر سورية, وفي حال امتنعت المصارف الخاصة عن القيام بهذا الدور جزئياً أو كلياً يجب أن توضع علامة استفهام حولها, وأن تتولى المصارف العامة الدور، مع ضرورة أن يلقى مربُّو الأغنام الجوالون الذين يعتمدون على الرعي, كل عناية ورعاية عبر ربطهم بمديريات الزراعة لحل جميع مشاكلهم, وهنا من الضروري توجيه الشكر لكل من سبق أن ساهموا في تنمية الثروة الحيوانية قروضاً وهبات من رجال أعمال وغيرهم, وكل الشكر للذين يعلنون مجدداً عن المزيد من المساهمة في ذلك.

 

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]