اتحاد العمال يفشل في بلورة رؤية بشأن الرواتب والأجور

 

دمشق – الخبير السوري

لم يسعف العنوان الذي طرحته جلسة ملتقى الاثنين العمالي حول سياسة الرواتب والأجور وانعكاساتها التنموية في استقطاب المشاركين من الاختصاصين، ويمكن القول: إنها كانت جلسة متواضعة من حيث الحضور الذي لم يتعد أصابع اليد الواحدة من الاختصاصين الذين لم تستطع مداخلاتهم تجاوز حدود التشخيص والتكرار، والخروج باقتراحات يمكنها صناعة حلول فعلية لقضية الرواتب والأجور، والبعض منهم أخفق حتى في التشخيص وبشكل يحبط تطلعات الشارع السوري بأي تغيير جوهري وحقيقي في الرواتب والأجور، نظراً لغياب الفهم الحقيقي لهذه المعضلة المالية.

ورغم محاولات إبراهيم عبيدو نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال توجيه بوصلة الحوار نحو العنوان الرئيسي للجلسة، ورسم خارطة طريق للمشاركين من خلال حديثه عن ارتفاع أسعار السلع التي تضاعفت بشكل جنوني، وزيادة تكاليف الحياة اليومية وتضاعف أعبائها، الذي يُشكل هاجساً يقض مضجع شرائح كبيرة وواسعة من المجتمع السوري لاسيما شريحة العمال التي قدمت الشهداء وكانت الرديف الحقيقي للجيش العربي السوري خلال الأزمة التي مرت بها سورية، وتأكيده على ضرورة البحث عن آلية مناسبة لخلق قيمة حقيقية والمحافظة على مستوى معاشي لائق للمواطن السوري…إلا أنه يسجل خلال الجلسة الغياب التام للمحاور المقرر بحثها حول مفهوم الرواتب والأجور (العائد على العمل)، ومحددات الرواتب والأجور وفق النظريات الاقتصادية ووفق التجارب الدولية، وتطور الرواتب والأجور في سورية منذ العام 1945 في القطاع الحكومي من قانون الموظفين الأساسي رقم 135 لعام 1945، إلى القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004، وفي القطاع الخاص وأثار الأزمة على الرواتب والأجور وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والانعكاسات التنموية لسياسة الرواتب والأجور.

وعلى مدار ساعتين من الزمن استمعنا لدردشة تجمع مابين الفكر النقابي المشحون بالمطلبية، والرؤية الأكاديمية غير العميقة في أهم قضية التي تشغل مساحة واسعة داخل الحياة العامة في بلدنا، سواء في الأوساط الشعبية الوظيفية العامة والخاصة أو لدى الحكومات المتعاقبة التي شكلت زيادة الرواتب والأجور بالنسبة لها التحدي الأكبر وخاصة في سنوات الأزمة وتداعيات الحرب، ولاشك أن تساؤل عمر حورية أمين الشؤون الاقتصادية في الاتحاد العام عن هوية الاقتصاد السوري، وكيفية تحديد سياسة للرواتب والأجور في ضوء غياب لهذه الهوية، شكل حالة اتفاق بين المتداخلين وخاصة لجهة أن العمال يعملون اليوم بالحالة الوطنية لا بالأجر الممنوح لهم.

لا داعي

بدوره الدكتور حسن حجازي وزير العمل السابق حذر من الفارق في الرواتب بين أصحاب الشهادات العلمية، وأصحاب المهن، الأمر الذي قد يؤدي إلى تراجع في عملية التنمية، ما أدى إلى تسرب كبير من العملية التعليمية، ونوه حجازي إلى تهرب السياسات التعليمية من التعليم الفني والمهني حيث في كل دول العالم هناك 80% من الطلاب في التعليم الفني والمهني والباقي في التعليم العام، مشيراً إلى دراسة كان قد قدمها للحكومة وتم تبنيها إلا أنها لم يكتب لها الاستمرار لاحقاً.

وتطرق حجازي إلى قانون العمل /17/ للقطاع الخاص والاعتراضات الكثيرة عليه، لا سيما فيما يتعلق بالرواتب والأجور والتي من المفترض أن تزيد في كل عام مرتين في القطاع الخاص وبحد أدنى 10%، وقد تم تشكيل مجلس أعلى لتحديد الرواتب والأجور لهذا الأمر إلا أنه لم يعقد أي اجتماع، وفي كل مرة كان الجواب “لا داعي لعقد هذا الاجتماع”.

زيادة تدريجية

الدكتور قحطان السوفي أكد أنه في ظروف الحرب لا يوجد سياسات وإنما يوجد إجراءات، وهذا يحتاج إلى واقعية وحكمة وشجاعة، مشيراً إلى أن الموارد العامة في الدولة مصدرها الدخل القومي الذي يعتمد على ركائز أساسية هي الأرض ورأس المال واليد العاملة والقدرة التنظيمية، وهذه الركائز تشير اليوم إلى تحسن متزايد في الدخل القومي حيث هناك حالة من التعافي التدريجي بفضل تضحيات الجيش العربي السوري الذي يحرر المزيد من الأراضي في كل يوم وعودة تدريجية لرأس المال إلى البلاد وعودة اليد العاملة ما يتيح للحكومة القدرة على التنظيم.

واستعرض السيوفي أرقام الموازنة العامة والمؤشرات التي تدل عليها، مقترحاً الزيادة التدريجية على الرواتب بما يتناسب مع تحسن الوضع الاقتصادي، وفرض الضرائب على أصحاب المداخيل الكبيرة كاستنساخ لتجربة مهاتير محمد في ماليزيا.

احتكار فوضوي

بدوره الدكتور حسن زكي من جامعة دمشق تطرق إلى حالة الفلتان في التسعير  محذراً من ظاهرة الاحتكار الفوضوي الذي تشهده الأسواق إذا ما قورنت بالأسواق المجاورة، ولفت زكي إلى أن سياسة الرواتب والأجور غير مرتبطة بالإنتاج، وتقوم على أساس زمني مع غياب لنظام الحوافر الأمر الذي يستوجب إيجاد حلول سريعة له.

لم يصدر تعديل

الاقتصادي إيهاب اسمندر أشار إلى أن هوية الاقتصاد السوري اليوم هي اقتصاد السوق الاجتماعي، لأنه لم يصدر أي تعديل على ما تم إقراره في الخطة الخمسية العاشرة، وطالب اسمندر بإعادة النظر بالرواتب والأجور في القطاعين العام والخاص، وحذر اسمندر من التفاوت الطبقي الذي سيحدث مع عودة الإنتاج في المدن والمناطق الصناعية مع عدم التغيير في مستويات الرواتب والأجور، مقترحاً على الجهات المعنية أن تقوم بتوصيف وتحليل لواقع كل قطاع واتخاذ الإجراءات التي تتوافق مع هذا التحليل.

بالمحصلة

قد يكون من السابق لأوانه التشكيك في سيناريو السياسات الاقتصادية الجديدة التي تستهدف العبء المعيشي بشكل مباشر والتي تسير وفق تأكيدات وزير المالية نحو البحث عن طرق أخرى لتحسين الحياة المعيشية غير زيادة الرواتب ..ولكن هذا القبول لا يلغي حقيقة أنه يضع المواطن في حلقة المضغ المتكرر لتجارب سابقة وفي دوامة الانتظار المقيت للسبل التي ستؤدي إلى تحسين دخله المهزوم أمام الاحتياجات الأساسية بمختلف أنواعها، دون المساس بمصدر الدخل الحقيقي لفئة كبيرة من المجتمع والتي لها دور في تحريك عجلة الاقتصادية في الأسواق، وما يثير الخوف بين الناس أن تكون هذه الإستراتيجية البعيدة المدى مجرد محاولة للهروب الاقتصادي نحو الأمام وتكرار لمسلسل الإمساك بجزرة عودة الإنتاج ووضعها أمام واقع المواطن الذي لم يعد يتحمل المزيد من الصدمات.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]