الحكومة ترسم ملامح “سورية مابعد الأزمة” ..خارطة طريق للتحولات الاقتصادية والاجتماعية..

 

 

يضع البرنامج الوطني لـ”سورية لما بعد الأزمة” بما له وما عليه، الحكومة على محك استجماع قواها وتحديد أدواتها التي تخولها قيادة المرحلة القادمة باقتدار في ظل تبنيها  لبرنامج يحمل عنوان واضح لنظرة الحكومة في تحديد الهوية الاقتصادية لها التي بدأت ترسم ملامحها من خلال التوجه الحكومي بإعادة الاقتصاد السوري إلى المسار التنموي الصحيح، القائم على نهج تنموي جديد يتخذ من النمو التشميلي أو “التضميني”  والتوازن التنموي “قطاعيا وجغرافيا” منطلقات أساسية لواقع  التغيير على المشهد الاقتصادي الحالي.

خطوات

وما يحمله البرنامج الوطني في هذا الجانب هو التحول من الجمود التنموي الذي فرضته الأزمة إلى إطلاق تدريجي لطاقات المجتمع والاقتصاد وصولا إلى النهوض بجميع مكونات التنمية الاقتصادية والمجتمعية قطاعيا وجغرافيا، إذ أن البرنامج يتضمن جملة خطوات تحدد مسارات انطلاقه وفقا لما يشير إليه رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي الدكتور عماد صابوني، حيث تتمثل الخطوة الأولى في تحليل وتقييم القطاع التي تتضمن وصفا وتحليلا لمؤشرات القطاع وتطورها خلال المرحلة الممتدة من 2005 حتى 2011 وتحليل لأوجه الضرر المادي والتنموي التي أصابت هذه المؤشرات خلال الأزمة على أن يشمل التحليل بوجه خاص التشريعات والبنى المؤسساتية للقطاع، والبنى التحتية للقطاع، إلى جانب التحليل لمؤشرات المدخلات من “الموارد البشرية – المستلزمات – الاستثمار” ولمؤشرات المخرجات من “مؤشرات الإنتاج والإنتاجية”، إضافة إلى تحليل مؤشرات الأثر ونقاط الضعف والقوة.

وتتجلى الخطوة الثانية بحسب الصابوني في إعداد الرؤية الوطنية والاستراتيجيات بحيث تتضمن رسم المشاهد المستقبلية المرغوبة للاقتصاد السوري. وتشير الخطوة الثالثة إلى تحديد الأهداف والتدخلات، ويجري فيها تحديد الأهداف الكلية والقطاعية وفقا لمداها الزمني على نحو ينسجم مع الأهداف العامة للبرنامج الوطني، كما تتضمن صياغة سياسات العمل واختيار التدخلات وترتبيها وفق التسلسل المطروح عبر التدخلات والإجراءات الآنية التي تهدف إلى معالجة الاختناقات والحالات الطارئة التي لا تقبل التأجيل، والتدخلات والإجراءات على المدى القصير التي تهدف إلى معالجة الحالات التي يمكن تأجيلها مرحليا والتدخلات والإجراءات التي ترتبط بتحقيق الرؤية والأهداف بعيدة المدى.

وتعمل الخطوة الرابعة بحسب صابوني على وضع برامج ومصفوفات التنفيذ ويجري فيها تحديد برامج تنفيذ التدخلات والبرامج والمشاريع بحيث تتضمن إجراءات التنفيذ، ومتطلبات الموارد المالية والمادية والبشرية والإطار الزمني، وتحديد ومسؤوليات التنفيذ ومؤشرات التنفيذ ومؤشرات الأثر، واشترط الصابوني لنجاح البرنامج الوطني بخطواته توفر قواعد البيانات والمؤشرات الكلية والقطاعية على المستويين الوطني والمحلي، وتفعيل صندوق الخبرة والدراسات المحدث في هيئة التخطيط والتعاون الدولي.

لائحة

وبحسب ما وضعته هيئة التخطيط من لائحة للملفات والمواضيع “القطاعية” والتي ستكون محور اهتمام الحكومة خلال المرحلة المقبلة ضمن إطار خطة البرنامج الوطني، فإن هذه اللائحة تتضمن في المجال الاقتصادي عدة ركائز منها تطوير المنظومة الوطنية للتخطيط الاستراتيجي، ورسم السياسات العامة، وإصلاح المالية العامة وتطويرها من خلال سياسة الدعم، واستدامة الدين العام، وترشيد الإنفاق الحكومي، ومحاسبة الإيرادات النفطية، وسياسة التمويل، وإدارة السيولة النقدية، إضافة إلى إصلاح القطاع العام الاقتصادي، فضلا عن سياسة التمويل، إلى جانب إدارة السيولة النقدية من خلال تفعيل أنظمة الدفع الإلكتروني، ناهيكم عن وجود حاضنة كبيرة للاستثمار تتمثل في إيجاد بيئة للاستثمار الخاص، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتشاركية بين القطاعين العام والخاص، كما يتضمن المجال الاقتصادي أيضا أنظمة المشتريات العامة، وسياسة التسعير والتدخل الايجابي وإعادة النظر بالسياسة الضريبية  مع  إعادة دراسة الرسوم الجمركية.

ويتضمن المجال الاجتماعي بحسب لائحة هيئة التخطيط  التشغيل وسوق العمل وربط التعليم بهذه السوق والمجتمع الأهلي والمنظمات غير الحكومية، فيما يشمل مجال البنى التحتية والخدمات لائحة الهيئة إستراتيجية إعادة الإعمار، ومعالجة السكن العشوائي وتنفيذ مشروع تنظيم 66. وفي مجال الإصلاح المؤسسي الذي يشكل المشروع الوطني للإصلاح الإداري منطلقاً له، ويشمل المشروع الشفافية ومكافحة الفساد من خلال الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وتطوير عمل المؤسسات الرقابية والإصلاح الإداري وتطوير الوظيفة العامة من خلال هيكلية الحكومة، وتعزيز كفاءة الأداء الحكومي، وأنظمة العمل والعاملين وشبكة الرواتب والأجور، والحكومة الالكترونية، كما ويأتي في مجال الإصلاح المؤسساتي سياسة اللامركزية.

 

فجوات

يذكر أن البرنامج الوطني يركز على تبني توجهات إستراتيجية لقضايا التعاون الدولي بأشكالها المختلفة انطلاقا من حقيقة أن الأزمة السورية أفضت إلى فجوات في جميع مدخلات عملية التنمية “المالية والمادية والبشرية”، وتعتمد الاستفادة المثلى من مكونات التعاون الدولي على مدى النجاح في دمج مراحل التخطيط بمراحل إعداد خطط التنمية الوطنية. وبحسب البرنامج فإن الوصول إلى استدامة التنمية سيحقق إمكانية الربط بين الاقتصاديين العيني والمالي النقديـ بحيث يصار إلى رسم السياستين المالية والنقدية بجميع مكوناتهما على نحو يتواءم مع السياسة الاقتصادية الكلية، و”تحديد القاطرة والعربات” استنادا إلى دراسات المزايا النسبية للاقتصاد السوري، وإلى الإنتاجية الجدية لوحدة النقد في مختلف القطاعات الاقتصادية، وتحديد مصادر التمويل ورسم الخريطة الاستثمارية التي تراعي الفرص الممكنة، وإمكانيات التنفيذ ورسم خريطة التعاون الدولي، مع الإشارة إلى أن محور النمو والتنمية يستهدف استعادة الانتعاش  الاقتصادي بهدف معالجة الآثار الاقتصاد للأزمة في سورية، ثم إعادة وضع الاقتصاد السوري على مسار التنمية وصولا إلى استدامة تساعد في القضاء على الفقر والبطالة واللامساواة ضمن إطار تشاركي واسع يضم جميع قطاعات وفئات المجتمع، بحيث ترتكز استدامة التنمية على تحقيق وتائر سريعة من النمو الشامل يتيح لجميع القطاعات الاقتصادية المساهمة والاستفادة من النمو الاقتصادي، وصولا إلى التنمية المتوازنة وبخاصة بين الريف والمدينة،  وبذلك  يتجلى مفهوم النمو الشامل على انه لا يهتم فقط بوتيرة النمو، بل بنمو هذا النمو وآلية تحققه وتوزيعه، وهما أمران مترابطان فيما بينهما، وبالتالي يجب تداولهما معا على حد سواء، فالوتيرة السريعة للنمو ضرورية للحد من الفقر على نحو فعال، غير أن استدامة هذا النمو تتطلب أن يتحقق على نحو واسع النطاق عبر القطاعات المحددة من قبل فريق عمل متخصص.

محمد زكريا

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]