الليرة السورية تستعيد مجدها وهذه هي الأسباب..

الخبير السوري:

ربما ليس من الحكمة الإفراط بالتفاؤل في زمن المفاجآت والمتغيرات الحادّة، إلّا أننا سنسمح لأنفسنا بالاستبشار خيراً بشأن ليرتنا وبلا تحفظ هذه المرّة، لأننا أمسينا أمام معطيات مشجّعة راسخة على الأرض، وليست نبوءات وتحليلات من النوع الذي لا يغفل عادة ضخ جرعات التعبئة المعنوية عبر سرديّات لم تعد تغني ولا تسمن من جوع.

نتفاءل بالفعل من الزاوية المطلّة على المشهد الشعبي الذي تختزله أروقة المصرف المركزي والمصرف التجاري السوري، حيث تتفاعل تفاصيل حالة الازدحام الشديدة على كوى بيع الدولار واستبداله بالليرة السورية، أي طلب زائد على الليرة، في نزوع جماعي – حتى التسابق – للتخلّي عن مكتنزات القطع الأجنبي، وهو المشهد المناظر لآخر عايشناه وعايناه بأسى على مر سنوات سطوة نزعات معكوسة تماماً بكل تفاصيل إسقاطاتها، عندما كان السباق محموماً باتجاه دولرة المدخرات، بعد أن أشرعت “دكاكين” الصرافة أبوابها أمام الجمهور بقرار رسمي خاطئ وتعسّفي لم يعد الجدل حوله ضرورياً بما أنه مثار بحث لدى جهات متخصصة.

فنحن اليوم أمام تحوّل لافت في المزاج الشعبي يستحق التأمل بذهن تحليلي، لأن صور الطمأنينة الحيّة، التي لا يمكن أن تنشأ بإيحاء أو شائعة، تشي بأن نصف مشكلة ليرتنا قد حُلّت، بما أننا متفقون على أن عامل الخوف كان السبب الرئيس في افتعال الطلب على الدولار، ولا نظن أننا بحاجة إلى تأويلات واجتهادات بخصوص الانعطافات الحاصلة في البعد النفسي -المعنوي وعوامل تبديد مخاوف الخائفين، فهي لا تقل ولا تزيد كعنوانٍ عريض عن حقيقة انتصارات الحسم السياسي والميداني التي حققناها في المواجهة مع الإرهاب.

أما النصف الآخر من أزمة الليرة فهو يخضع لمعالجات تبدو نتائجها متدرّجة في الظهور، لأنها مرتبطة بدورات إنتاجية زراعية كانت أم صناعية لا تسامحنا بشرط الزمن و إملاءاته، وربما لم يعد من الصعب رصد حقيقة التزايد المضطرد في عودة المساحات الزراعية إلى الإنتاج في المناطق المطهّرة، وكذلك عودة إقلاع المنشآت الصناعيّة، إلى جانب تحرير مكامن الثروات وحقول النفط، وهذا يعني في العرف النقدي، إعادة إنعاش المعادل الإنتاجي المثقّل لقيمة الليرة، والمعادل الإنتاجي بدوره سيفضي إلى تعزيز المعادل النقدي المتمثّل بالاحتياطي المركزي من القطع الأجنبي، لأن الإنتاج يعني أولاً كفاية تقينا “شرور” الاستيراد والإنفاق، وثانياً تحقيق عائدات تصديرية في حال الوفرة، والمعلوم حالياً أن مكنة التصدير عادت للدوران من جديد وفي زمن أقل بكثير من المتوقع، وقد يكون في أرقام الصادرات الجديدة ما يستحق البناء عليه كمؤشّر أكيد لوقائع التعافي المكثّفة التي يحققها الاقتصاد السوري.

من هنا يمكن لنا أن نبلور قناعة بأن ليرتنا تتحول وبتسارع مضطرد لم يكن في الحسبان أيضاً، من ممسوكة إلى متماسكة وهذا إشعار بليغ الدلالات بأبعاد اقتصادية متشعبة، تصب كلها كحصيلة في الخانة النقدية.

ليرة قويّة يعني تضخماً أقل، ويعني تحسين المستوى المعيشي للمواطن دون زيادة كتلة الرواتب والأجور، لا سيما وأن ليس كل مواطن موظفاً، ويبقى أن نعيد توليف أسواق السلع والخدمات وفق “الوزن الجديد لليرتنا” لأن ذريعة سطوة الدولار، لم تعد مقبولة أمام صعود “نجوميّة” الليرة السورية.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]