هل صحيح أن “رزق الهبل على المجانين”…؟؟؟

 

 

فاجأني أحد المعارف عندما طلب توسطاً مع إدارة مدرسة ولده يسمح له بموجبه بالخروج قبل انتهاء الدوام بعشر دقائق ليتسنى له متابعة دراسته في المعهد الخاص الذي لا يقدم أي إضافة بل إعادة لما قدمته المدرسة، وبما أن هذه الحالة ليست الوحيدة بل هناك نماذج كثيرة مشابهة يصر فيها الأهالي على إخضاع أولادهم للدروس الخصوصية بغض النظر عن حاجة الطالب ومدى استيعابه للمعلومة ، علماً أن الدروس الخصوصية تثقل كاهل الأسر مادياً لاسيما في ظل الارتفاع الجنوني لساعات الدروس الخاصة والتي تصل إلى 3 آلاف ليرة في بعض المواد مما يضطر الأهل لتخصيص ميزانية خاصة على حساب الحياة المعيشية الصعبة لضمان التفوق والنجاح بدرجات عالية فهناك أسر يكلفها الابن الواحد الكثير لاجتياز السنة الدراسية الواحدة، حيث كشف رب أسرة عن 200 ألف ليرة  صرفت على ابنه لقاء الدروس الخصوصية  خلال شهر الانقطاع لامتحانات شهادة التعليم الأساسي، علماً أن لديه خمسة أبناء وكلهم يتابعون دراستهم وبحاجة للدروس الخصوصية، معتبراً أن بعض المدرسين امتهنوا الدروس الخاصة كتجارة رابحة مع ترويجهم لشائعات عن صعوبة المناهج وعدم وجود الوقت الكافي لإنهائه في المدرسة مما يؤثر على الطالب الذي ينشغل ويرهق أهله مادياً في الدروس الخصوصية.

ويعتبر “ليث” طالب الشهادة الثانوية أن سبب تفاوت الأسعار هو خبرة الأستاذ وقدمه في التدريس، حيث أن الأستاذة المشهورين بتوقعاتهم الصائبة لهم أجورهم الخاصة”. مؤكداً أننا  كطلاب نفضلهم لأنهم يعرفون ثغرات الكتاب ومطباته، كما أننا نفضل الأستاذ الذي يعرف كيف يجعل الطالب يحصل على العلامة فهناك أساتذة يعلمون الطالب مثلاً إذا جاء سؤال ولم يعرف إجابته ماذا يكتب لكي يجمع أكبر قدر ممكن من علامات السؤال”. في حين للسيدة أم عروة والدة طالبة ثانوي وجهة نظر مختلفة فهي  تحسبها بطريقة اقتصادية عبر التعاقد  لابنتها مع أساتذة لكل المواد لكي تتمكن  من ضمان  مستقبلها في الجامعة بعلامات عالية عوضاً من أن تدخل جامعات خاصة أو في التعليم الموازي أو المفتوح لأربع سنوات التي ستكلفها أضعاف الدروس الخصوصية بكثير”.‏

ومع كل الأسباب والدوافع والمبررات التي أوردناها على لسان الأهالي و الطلاب، فإن التربويين لهم رأيهم  حيث اعتبر البعض منهم أن من  أسباب انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية عدم الوعي لدى بعض الأولياء الذين يخضعون أولادهم للدروس الخصوصية  من أجل البريستج في الوسط الاجتماعي أو لإراحة أنفسهم من متابعة أبنائهم نتيجة انشغالهم بوسائل التواصل الاجتماعي مما يفتح المجال أمام أستاذة الخصوصي لاستغلال الأهل وتكثيف الدروس من أجل الحصول على مبالغ مالية إضافية.

وعزا مدرس اللغة العربية حسين الأسباب إلى صعوبة المناهج الدراسية والكثيفة، إضافة إلى الأسئلة التي توضع في نهاية العام الدراسي فهي تحتاج لتفحص لا يدركها إلا الطالب الذي درسها خلال العام وإعادة المواد مراراً وتكراراً لذلك بات أمر الدرس  الخاص أمراً شائعاً بين الطلاب لضمان النجاح.

وأوضحت الموجه هويدا أن الطالب الذي لا يحب الدراسة لن ينفعه معهد خاص ولا أفضل مدرسين في العالم، مضيفة أن هناك تقصير من الأهالي في عدم التواصل مع المدرسة ومتابعة أبنائهم والسؤال عنهم معتمدين على الدروس الخصوصية مما يترك حالة فوضى وشغب عند الطالب الذي يقضي أغلب وقت الحصة في اللهو و التأثير على زملاؤه في الصف، أما الآنسة علا وهي مديرة مدرسة أشارت إلى أن مخاطر الدروس الخصوصية تتجلى بفقدان الثقة بمعلم الصف، وبالتالي لن يركز الطالب في الحصة الدرسية لأن معلم آخر سيقدم له  الدرس في منزله، مما قد يلجأ إلى الشغب أو اللامبالاة وقد يؤذي رفاقه بتصرفاته، في وقت قد يصبح آخر إفراديآ غير اجتماعي أناني غير محبوب عدا عن الاختلاف في طريقة الإعطاء التي قد تدفع الطالب إلى نوع من الشك والحيرة وقد تؤدي إلى القلق إذا لم يكن المعلم في المنزل مؤهلاً بما فيه الكفاية للتعليم التربوي والصحيح ولتقديم المعلومة الدقيقة .

ولفت الانسة علا  إلى توعية الأهل لإعادة بناء الثقة مع المعلم وإيصالها للطالب مع التأكيد على أن الحصة المدرسية هي المكان الأمثل لتلقي المعلومة بين الأقران في الصف وأن المعلم جاهز لأي استفسار ولأية إعادة لشرح المعلومة وفي أي وقت، مشيرة إلى أن التواصل المباشر للأهل مع المعلم وإخباره عن أي تقصير وتعليق الأمل عليه مما يدفعه للاهتمام الأكبر والمتابعة الأمثل. والتعاون لإزاحة  كل أسباب التقصير، معتبرة أن الدروس الخصوصية مرض اجتماعي وتربوي  يجب علاجه علاجاً  يشبه الكي لا رجعة بعده…

ويرى الخبير التربوي جابر معمرجي  أن هناك بعض المدارس  خلت للأسف من كوادرها فيضطرّ الأهل (في الشهادات) للدروس الخصوصي، علماً أن الشهادة الثانوية  تحدد المصير والمستقبل،  لافتاً إلى نوع آخر من الأهل المنشغلين الذين يحضرون مدرس لمتابعة الابن في البيت من  باب الرياء الاجتماعي، إضافة إلى عدم استطاعة بعض الطلاب للتحصيل العلمي نتيجة الاكتظاظ في الصفوف ما يستدعي إحضار مدرس إلى المنزل من الاستفادة، ولكن النتيجة عكسية في بعض الأحيان تؤثر على الدراسة، وهذا ما أكدته الاختصاصية التربوية والنفسية سلام قاسم  بأن الاستعانة المبكرة بمدرس خصوصي تؤثر نفسيا بالسلب على الطفل   كونها تؤكد أن الطفل ليس جيدا في مادة معينة، لذلك ينبغي للآباء الاستماع إلى نصائح المعلمين قبل الاستعانة بمدرس خصوصي، إضافة إلى أن الأهالي ينفقون أموالهم من أجل حصول الأبناء على أفضل تعليم إلا أنهم  يواجهون ضغوطا مالية كبيرة، لافتة إلى أنه عندما تنجح الدروس الخصوصية قصيرة المدة والمكثفة فإنها تؤدي إلى وقوع الأطفال في مأزق يتمثل في مواجهة ضغوط هائلة من أجل الاستمرار ومواكبة التحصيل لأنهم يعودون إلى المنزل بعد يوم دراسي شاق مفعم بالأنشطة يحتاجون إلى المزيد من الدروس الخصوصية، ومن ثم لا يستمتعون بحياتهم على الإطلاق.” واعتبرت قاسم أن المدرس لا يتحمل مسؤولية  في ظروف المدارس الحالية ( عدد طلاب هائل ، نقص مدرسي بعض المواد ) ولكن الدافع لدى الطالب بالتفوق ومتابعة الأهل وتنظيم الوقت هي الوصفة السحرية للتفوق.  مبينة أن أعمال التدريس الخصوصية غير خاضعة لضوابط، مما يجعل بعض المدرسين الخصوصيين يرفعون أتعابهم اعتمادا على قدرة العميل على الدفع.

علي حسون

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]