أن تنفرد وزارة الصناعة بدعم مالي مفتوح، ذلك أمر يبعث على الارتياح من جهة، ومن الجهة المقابلة يدعو إلى التمعن في مفاصل قطاعنا العام الصناعي، صغيرها قبل كبيرها، الإداري منها قبل المالي، اللذين عليهما يتوقف التطوير الذي يتعطش إليه هذا القطاع.
ومما لا شك فيه أن تأكيد رئيس الوزراء استعداد حكومته لتأمين أي مبلغ تطلبه “الصناعة” حتى لو تجاوز 300 مليار ليرة، شريطة وضعه في خدمة عجلة الصناعة، وبما يلبي السرعة في الأداء والجودة في النتائج، هو دليل على تفهّم الحكومة واقع هذا القطاع، وفي الوقت ذاته علمها ببواطن الخلل فيه، الموضوعي منه أو غير الموضوعي.
حافز كبير تقابله مسؤولية أكبر، يضع الوزارة أمام تحديات ليست سهلة أبداً، وخاصة بعدما تعرّضت له مؤسساتها وشركاتها من استهداف، وقبلاً ترهّل إداري، وتراجع في مجمل المؤشرات، وخاصة التشغيلية والإنتاجية.
ولعل وعي وإدراك وزير الصناعة، وهو الخبير بخفايا قطاعه السابق والحالي وأوجاعه المزمنة والمستجدة وحتى غير المسبوقة، كان سبب إعلانه الواقعية مبدأً للتعاطي مع حمل كهذا من الدعم والمهام في آن معاً.
و”لأن الخيال أحياناً لا يفيد” على حد تعبيره، سنكون بدورنا واقعيين ونتحدث ضمن دائرة الممكن والمتاح صناعياً، مكتفين بشيء من الأمل والطموح المشروعين استناداً لما تقدَّم.
ومن باب الاستشهاد ببعض القضايا الأساسية التي لا تزال محل جدل وخلل في مؤسسات وشركات قطاعنا الصناعي العام، نبيّن -وقبل أي حديث عن مشاريع جديدة أو توسيع القائم منها- ضرورة وأهمية معالجة العالق في حلق صناعتنا العامة.
على سبيل المثال لا الحصر نقول: حين وجِه رئيس مجلس الوزراء مؤخراً بدراسة واقع تكلفة وأسعار الخيوط القطنية المنتجة في القطاع العام وتخفيض أسعارها لتكون قريبة من الأسعار العالمية..، حضرنا مباشرة ما كان وزير الصناعة السابق يحاول جاهداً حله لكن دون نتيجة، وهو موضوع حسابات التكاليف المعيارية، الذي وعلى مدار سنوات تقلُّده منصبَه لم تستطع إلا ما ندر من شركات معالجة هذا الموضوع بالشكل والمضمون الصحيحين، لذا ظلت موازين تلك الحسابات محطّ شبهات وأكثر، وذهب الرجل وبقيت، وكأن شيئاً لم يكن..!.
وهنا دعونا نستذكر للعبرة فقط، إعفاءه خمسة مديرين وإحالة اثنين آخرين إلى الرقابة والتفتيش لأسباب تتعلق بسوء العمل والفساد، المستندين إلى الأرقام والتقارير التي تقدّموا بها.
يومها –وللإنصاف- كنا شاهدين خلال الاجتماعات الدورية حول الموضوع مع جميع المؤسسات الصناعية على وضعه أغلب المديرين في “خانة يك” التكاليف المعيارية، ومما بيّنه أن وزارته حللت البيانات الواردة في الميزانية وقارنتها مع بيانات الخطة والموازنة آنذاك، فوجدت فيها نفقات ثابتة وأخرى جارية مرتبطة بالإنتاج، بمعنى أن هناك مصاريف وصرفيات لم تتم، كما أن معدل تنفيذ الخطة الإنتاجية ليس متناسباً مع الصرف من الموازنة نفسها، وخاصة للإنفاق الجاري أو التكاليف المتغيرة المرتبطة بالإنتاج…!.
ويومها أوضح أيضاً، أن تلك الصرفيات لا يجب أن تكون إلاَّ في حال وجود إنتاج، فكيف إذا كانت النتائج بالموازنة الجارية تؤكد صرف 80% وتحقيق الخطة الإنتاجية 60%..!؟. سأل يومها عن مصير الفارق فما كان هناك ردّ يدحض أو يفنّد..، فما كان باليد إلاّ إحالة الملف إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، لإجراء التحقيقات واتخاذ الإجراءات المناسبة بشأن الارتكابات.
وعليه نشدّد على إنهاء هذه القضية التي لا نعتقد أن قطاع صناعتنا العامة بتّ فيها حتى الآن، ونؤكد أن أي دعم أو مبالغ ما بلغت لن تبلغ بصناعتنا إلى ما يراد لها أن تكون من تنمية وإنتاج وجودة..، إلاّ بعد تكاليف معيارية شفافة وصريحة لا لُبس فيها ولا “ملبوس”.
قسيم دحدل – عن “البعث” بتصرّف
التعليقات مغلقة.