تعويضات امتيازية ل”المحظيين تنفيذياً” تكفي لتشغيل آلاف العاطلين عن العمل!

 

الخبير السوري:

ليس من المستحيل التفكير بحلول وإن كانت آنية لتخفيف البطالة بما هو متاح في الوقت الحالي وفي ظلّ نقص الموارد بدل ترحيل جيوش العاطلين عن العمل إلى حين يتحوّل التراكم إلى مشكلة تضاف إلى مشكلات تستعصي على الحلول.

قد تكون إعادة توزيع الحوافز بما يضمن عدالة التوزيع إحدى البدائل التي يمكن العمل عليها في الوقت الحالي, فمن جهة تفك (عقدة العمل عند قسط ) من العاطلين عن العمل وتحرّك من خلالها الأسواق, ومن جهة أخرى تتخلص الحكومة من كثير من المديرين والموظفين الإداريين الذين يصلون إلى المناصب لامتيازاتها ومكاسبها لأنهم لا يرون فيها الإغراءات المطلوبة, ويصل إلى هذه المناصب من يريد العمل فعلاً ولديه الكفاءة لذلك .

حدود

في ظلّ الأوضاع الحالية يبدو ملف البطالة الخطير ملحّ على حدود دائرة الاهتمام ، فالحلول الخجولة لم ترق إلى مستوى العقدة والدليل ارتجال إحدى الحكومات السابقة برنامج تشغيل الشباب الذي وفر 25 ألف فرصة عمل والتي لا تسد رمق الأعداد الهائلة التي تنتظر دورها قبل أن يفوتها قطار العمر المحدد في البرنامج الميمون .

صحيح أن الأزمة أفقدت الاقتصاد السوري جزءاً من سوق العمل وارتفعت نسبة البطالة إلى نسب غير مسبوقة لكن المشكلة كانت موجودة ما قبل الأزمة وقصور المعالجات فاقم المشكلة عند أول هزة.

يرى باحث اقتصادي أنه دائماً في الأزمات الصعبة هناك آليات اقتصادية جديدة ومعالجات جديدة, لكن من حيث المبدأ هناك تآكل سريع ومستمر في الواقع للرواتب والأجور, ومن المفترض التفكير بحل المشكلات الاجتماعية وقضايا البطالة ، لكن في الظروف الحالية هناك أولويات كتأمين معيشة المواطن .

بعض المديرين يتقاضون تعويضات تتجاوز بمجموعها الشهري رواتب وتعويضات الوزراء وتقارب أو تتجاوز رواتب السفراء.

ويضيف الباحث أن هذا التآكل السريع يحتم التعامل مع موضوع التعويضات والمكافآت بشكل مختلف ، حيث توزّع التعويضات اليوم للموظفين الأوائل في الشركات ويحرم منها الموظفون العاديون, ورغم وجود هذا التآكل هناك حفاظ على مزايا المديرين والموظفين الكبار, وهذا يحرم الموظفين الأكفاء وأصحاب الدخول المتوسطة والضعيفة من أهمية الراتب. مشيراً إلى أن مصالح الكثيرين ترتبط باختراق الآليات الإدارية .

وجدانياً فقط

مع أن الكثير من المسؤولين والقائمين على المؤسسات يقرّون بارتفاع نسبة البطالة ويستغربون (مما آلت إليه حالها) ومنهم من يقترح حلولاً لمعالجتها على اختلاف نسبة النجاعة، لكن لا يبادر أي منهم أو ينطلق من نفسه, فهناك من يشغل أكثر من منصب ويشرف على عدد من المجالس، والغرابة أن إمكانياتهم (السوبرمانية) تؤهلهم وتمكّنهم من تنظيم وقتهم ومن إنجاز أعمالهم في الاتجاهات كافة على أكمل وجه، ولا يستغربون أيضاً من أين تأتيهم النعم على شكل حوافز وتعويضات, ويرون أنها من حقهم لأنها من متممات الكرسي. وعند التفكير في حلول البطالة تُنحى الامتيازات جانباً ولا تدخل ضمن دائرة الحل .حتى إذا ما أتيح لهم المجال للتوظيف يكون (الأقربون أولى بالمعروف) وعذرهم جاهز أن لكل قاعدة استثناء .

فلا أحد يعرف قيمة وشكل التعويضات التي يتقاضاها مديرو المؤسسات والصف الذي يليهم في أي دائرة أو مؤسسة من مؤسساتنا وتعد سراً من أسرار المؤسسات، فهناك كثير من المديرين ومن لف لفيفهم يتقاضون تعويضات تفوق الخيال وموظفون تنهمر عليهم بمسارب قانونية وغير قانونية، ويحظون بالامتيازات الكثيرة والتعويضات المتنوعة التي يتم إضافتها للمبالغ المبالغ فيها لأجور مديرينا المحظوظين تستنزف موارد ومخصصات المؤسسة, في حين يتقاضى عمالها أجورهم وتعويضاتهم, إن وجدت (بطريقة التقطير )، وهذه الآلية في التوزيع تعطي المؤشر الواضح والفاضح عن الفارق الكبير الذي يوجد بين طبقة غنية زادت غنىً وأخرى اتسعت وزادت فقراً في الوقت نفسه.

وبعملية حسابية بسيطة نجد أن مجموع الأجور والتعويضات الشهرية لعدد من المديرين ومن يليهم, خاصة في بعض المؤسسات ( المرفهة ) دون أن نضيف إليها ما يكلف هؤلاء من سكن وسيارات وتنقلات والعديد من الامتيازات, يمكن أن تنتج لدينا ميزانية نسبتها لا يستهان بها من كتلة الأجور والرواتب التي تدفعها الدولة ويمكن تجيير هذه النسبة لصالح عملية التشغيل وتخفيف نسبة البطالة بطرق شتى, إن لم يكن عن طريق التوظيف, يمكن أن يكون بآليات أخرى كالمشروعات الصغيرة والمتوسطة أو غيرها.

 

هناك من يشغل أكثر من منصب ويشرف على عدد من المجالس، والغرابة أن إمكانياتهم (السوبرمانية) تؤهلهم وتمكّنهم من تنظيم وقتهم ومن إنجاز أعمالهم في الاتجاهات كافة على أكمل وجه

ضغط باتجاه آخر

بدأ عدد من مؤسسات القطاع العام بخصم نسب مختلفة من حوافز ومكافآت الموظفين تحت بند توفير النفقات الذي طلبته وزارة المالية وبعض المؤسسات الحكومية سارعت ( للتنفيذ الفوري ) إما بحجز الحوافز المخصصة للعاملين تحت اسم “رسم الأمانة” وتم اقتطاع مبلغ من راتب كل موظف، وإذا لم تصل حوافز الموظف إلى المبلغ المراد يتم اقتطاع البقية من الراتب، وهذا ما حصل في بعض المؤسسات التابعة لوزارة الإسكان والتعمير.

أما ضغط النفقات والحسم من الحوافز لم يصب القائمين على هذا الحسم, وإن طاله في بعض الجوانب تم تعويضه من منابع كثيرة, في حين أن العامل العادي فقط هو من أصابه (الضغط) وجاء السبب حجة منقذة للمديرين حتى يتم اقتطاع ما يرونه مناسباً, وفي كثير من الأحيان يتم تدويره إلى (مصبات خاصة)، وتحوّل الهم الأول إلى ضغط نفقات فقط دون أن يكون الهم إدارة المؤسسة في الظروف الحالية أو تقديم مبادرة من شأنها تخفيف وطأتها على المؤسسة.

وللذكر فقط ما كشفه أحد المديرين المركزيين في المؤسسات عن أن بعض المديرين في مؤسسته يتقاضون تعويضات تتجاوز بمجموعها الشهري رواتب وتعويضات الوزراء وتقارب أو تتجاوز رواتب السفراء الذين يعملون خارج الوطن. مطالباً بفتح تحقيق مع هؤلاء الذين هم بالأساس لا يقومون بأي عمل إنتاجي حقيقي يستحق ولو جزء بسيط من هذا المبلغ ، ولا يوجد أي حق لهم في تقاضي مثل هذه المبالغ الخيالية التي لا يحلم بقبضها أحد.

يرى الباحث أن القضية ليست قضية تعويضات والزج بمعالجة جديدة قضية اقتصادية لها أبعاد متعددة تتعلّق بالتضخم وتوليد فرص العمل وغيرها.

والحقيقية أن تولي فرص العمل مرتبط بتطور إيرادات الدولة والاستثمار, فمصادر الدخل اختلفت والموازنات تقلصت والمساعدات غير منظورة, وبالتالي الدخول تذهب للعمل المعيشي, والأعمال التشغيلية تأتي كملحق بها والسبب طبيعة الأزمة .وبالتالي فكرة توليد فرص العمل في هذه الفترة يتعلق مرحليا بإدارة الأزمة ولاحقاً يتعلق بالتنمية حيث توجد فرص تشغيل هائلة في مرحلة إعادة الأعمار.

يؤكد الخبراء المتخصصون أنه ضمن الاعتبارات الحالية تبدو عملية التشغيل محصورة بالمحافظة على الدور الاجتماعي للدولة والتشغيل الكفوء ليس متاحاً حالياً و بالوقت نفسه هناك عمالة وظيفية معطّلة تشغيلياً نتيجة الظروف كمياً ونوعياً .وبالتالي تصبح العملية التشغيلية حسب واقع الوظائف الإدارية ولا يمكن التفكير بقفزات نوعية للتشغيل ضمن الظروف الحالية .

ويوضحون أن شكل نهاية الأزمة هو من يحدد البرامج والسياسات التشغيلية وغيرها, وحجر الأساس ما بعد الأزمة هو العقد الاجتماعي, وإذا كانت إعادة إعمار سورية سريعة وموثوقة كانت الحلول أسرع وأنجع أما إذا كانت متعثرة تتعثر معها الملفات .

إعادة النظر (بالخريطة التعويضية) اليوم قد يكون أكثر إلحاحاً إن لم يكن لإيجاد فرص عمل للكثير من المنتظرين على الأقل لتحقيق التوزيع العادل ووقف الغبن عمن تسرق جهودهم وتجيّر لصالح من لا يستحقها.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]