الدكتور سنان علي ديب يكتب عن : الحوكمة مابين التنظير و الواقع

 

 

كانت آخر محاضرة لفرع اللاذقية لجمعية العلوم الاقتصادية بعنوان “الحوكمة و الإدارة الرشيدة” و قد بدأ رئيس فرع الجمعية الندوة بالقول لا يقتصر دور جمعيتنا على تشخيص الواقع و تسليط الضوء على الإيجابيات و السلبيات وإنما كذلك هناك جزء توعوي تثقيفي لإبراز ماهية و طبيعة ظواهر وحالات عالمية و كذلك لتوضيح معنى مصطلحات يتم تداولها أو يحاول البعض فرضها ومنها ما نحن بصدده وهو مصطلح الحوكمة وهو عنوان ما كان يهيء لإقامة مؤتمر كامل في دمشق بخصوص الترويج له و العمل لتسويقه في ظل ما تعاني منه دولتنا من حرب معقدة وما ينجم عنها من أزمات وهو ما فاجأ الكثيرين ووضع الموضوع في سياق ما نراه من تمرير أمور مفروضة كما حصل مع مسودة الدستور الذي أحدث إشكالية ونفور من الأغلبية إلا ممن يرون الغرب وما يأمر به منزلاً  ولكن الفشل كان العنوان لهكذا سلوكيات وما يتذاكون بتمريره ,وحتى لا نكون منذ البدء في موقف سلبي واضح لابد لنا من الإبحار في هذا المصطلح وما يروج له من مزايا وظروف نشأته و الغاية منه .

فالحوكمة هي من المفاهيم التي وسع إطارها و البيئة التي تعمل فيها و لأجلها بحيث لا ينحصر تداولها في الأسواق المالية فحسب، بل يتم تداولها والتفاعل معها على نطاق واسع بما يتجاوز تلك الأسواق . حيث أصبح مفهوم الحوكمة رديفاً لمفهوم المأسسة، وصمام أمان لحماية الشركات سواء المدرجة أو غير المدرجة، ونظاما للإدارة الرشيدة وكذلك ليتوسع لمستوى الدولة و العلاقات القائمة فيها وكنوع للعدالة بين الأقطاب الرأسمالية وجزء مما يتداول لمفهومها من الحكم و القضاء و العدل.

وقد ظهر مصطلح الحوكمة بصيغته الحديثة على غرار مصطلحات أخرى مثل المسؤولية الاجتماعية، والخصخصة انسجاما مع مصطلحات دارجة في إطار نظام العولمة , هذا النظام الذي كان الأداة لفرض لغة المنتصر للقوة الوحيدة بالعالم بحيث تكون هي القوة الأولى ولها الكلمة الفصل في كل ما يتعلق بالأمور العالمية و هدفت منها لجعل العالم قرية واحدة عبر التطور التقني و التكنولوجي بحيث تفقد الدول هويتها و تدمر جذورها و بحيث تفقد الحدود ما بين البلدان وقد  نجم عنها مشكلات وحروب دائمة و مستمرة أغلبها يأخذ الطابع التعصبي المذهبي و العرقي و القومي وكانت غاية الابتزاز والسلب و النهب الاقتصادي هي الأساس لتبقى البلدان تابعة لها نامية سوقاً لمنتجاتها و نبع لمواد الأولية وذات تنمية منقوصة و أخرى محدودة النمو و التنمية و لا تخرج عما يحدد لها و قد استفادت القوة العظمى من السيطرة على المؤسسات الدولية: الأمم المتحدة, البنك الدولي, صندوق النقد الدولي,مجلس حقوق الإنسان ,بحيث يقونن كل ما تعمل به وكانت العبارة الأهم” دعه يعمل ودعه يمر “و” السوق تنظم نفسها “, و مقررات مؤتمر واشنطن إضعاف دور الدولة , القضاء على القطاع العام , تحريرالاقتصاد ومنع  الحمائية, فتح الحدود , رفع الضرائب, و كانت الغاية النهائية خلق قوى رأسمالية مرتبطة بها مهما كان لون أموالها و يفضل الأسود على حساب حجم الحكومة عبر المؤسسات العامة بقيادة الاقتصاد و استثمر الانحطاط الأخلاق المبرمج للسير بهكذا أهداف , وما سبق توضيحه ضرورة لسياق ما سيأتي لنرى أن أهم شروط نجاح الحوكمة هي النموذج الليبرالي وحرية السوق و تهيئة البنى الكفيلة بالسير بهكذا نهج ,

فالحوكمة نظام للإدارة سواءاً كانت عامة أو خاصة يشمل مجموعة  من القواعد و المبادىء و الإجراءات الهادفة إلى تحقيق التوفيق و التوازن بين أصحاب المصالح المتعارضة وتوزيع الحقوق و المسؤوليات فيما بينها ضمن إطار من الشفافية و الإفصاح و المساواة,وقد تزايد الاهتمام بالحوكمة خلال السنوات الماضية بسبب الأزمات المالية والاقتصادية  2008وانهيار شركات كبرى، كالتي شهدتها العديد من أسواق المال  ،   تلك الأزمة التي كان من أهم أسبابها حسب ما عبروا ليس غياب أنظمة حوكمة جيدة، إنما غياب الممارسة السليمة والامتثال لتلك الأنظمة، وانتقاص الشفافية والوضوح في التعامل والمساواة بالفرص، وعدم القدرة على التوفيق والتوازن بين أصحاب المصالح المتعارضة.

 

أولاً: النشأة:

على الرغم من ارتباط ظهور نظام الحوكمة في العصر الحديث بالأزمات والانهيارات المالية الناجمة أحياناً عن انحراف بعض عناصر الإدارة التنفيذية . ذلك الانحراف المتمثل في شيوع الإهمال والفساد، والتلاعب في الحسابات، وعدم الامتثال لقواعد الحوكمة الرشيدة . إلا أن الحوكمة كمنظومة أخلاقية قد.

 

أما مفهوم الحوكمة في صيغته الحديثة فقد ظهر مع نشوء الشركات التجارية، وانتشار ظاهرة فصل الملكية عن الإدارة . حيث تعتبر الحوكمة إحدى النتائج المباشرة لفصل الملكية عن الإدارة . حيث يؤدي فصل الملكية عن الإدارة إلى تعارض مصالح إدارة الشركة وحملة الأسهم .

 

فالإدارة تقوم بالنيابة عن حملة الأسهم بإدارة الشركة لصالحهم من حيث المبدأ، وهي بهذه المثابة وكيل عن حملة الأسهم . وعندما يحصل التعارض تكون الإدارة قد خرجت عن حدود الوكالة الممنوحة لها لذا فإن التطبيق الجيد لآلية الحوكمة ومبادئها ينهي مشكلة التعارض، ويزيل النتائج السلبية لفصل الملكية عن الإدارة .

 

ثانياً: المفهوم وأهميته:

في حقيقة الأمر لا يوجد تعريف واحد متفق عليه بين كافة الاقتصاديين والقانونيين، والمهتمين ولكن بشكل عام الحوكمة نظام للإدارة سواء كانت إدارة عامة أو خاصة . يشمل مجموعة من القواعد والمبادئ والإجراءات الهادفة إلى تحقيق التوفيق والتوازن بين أصحاب المصالح المتعارضة، وتوزيع الحقوق والمسؤوليات فيما بينها ضمن إطار عام من الشفافية والإفصاح والمساواة في الفرص ,أي أن الحوكمة تعني وضع الضوابط ووسائل الرقابة التي تضمن حسن إدارة الشركة . حسن استغلال  موارد الشركة وتسعى إلى تعظيم ربحية وقيمة حقوق الملكية على المدى الطويل . وتعكس أيضاً مدى اهتمام الإدارة بالمصالح الأساسية للمجتمع في مجالات الصحة العامة وتطوير الموارد البشرية، وحماية البيئة .

بشكل عام، يمكن القول بأن نظام الحوكمة يشكل دليلاً للرقابة الذاتية أي كيف تتصرف إدارة الشركة عندما لا يراقبها أحد.

كما تعتبر الحوكمة إحدى أهم الوسائل الهادفة إلى تحقيق التنمية الاقتصادية ورفاه المجتمع، وإرساء قيم الديمقراطية والعدالة، والمساواة في الفرص، والشفافية والإفصاح التي تضمن نزاهة المعاملات، وتعزيز سيادة القانون، ورسم الحدود الفاصلة بين المصالح الخاصة والعامة والحيلولة دون استغلال المنصب والنفوذ وفي سبيل

ذلك لا بد من تبني آليات السوق، ودعم وتطوير القطاع الخاص ومؤسساته، ومنحه دوراً أكبر في النشاط الاقتصادي من جهة، وتعزيز التعاون ما بين القطاع العام والخاص من جهة أخرى . هذا بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار الأجنبي , وهذا ما يتقاطع مع الرؤية الأمريكية لقيادة الاقتصاد العالمي و فرض نهج يحابي مقررات واشنطن كما ذكرنا سابقاً , ومن أجل ذلك يلزم حسب رأيهم  أهمية الالتزام بالحوكمة كنظام للإدارة الرشيدة بما يشمل إعادة هيكلة مجالس الإدارة، وحماية حقوق الأقلية، وتعزيز إجراءات الرقابة، وتكريس الشفافية والإفصاح والمساواة بالفرص سواءً في الشركات المدرجة وغير المدرجة..

لذلك فإن تطبيق نظام حوكمة يستند بشكل أساسي على العديد من القوانين والنظم والإجراءات . مثل قوانين الشركات، وأنظمة أسواق المال والبنوك، وأنظمة المحاسبة، ومعايير المحاسبة الدولية، وقوانين المنافسة ومنع الاحتكار، وقانون حماية المستهلك، وقوانين الضرائب والعمل وحماية البيئة.

ومن الجدير بالذكر بأنه لا يكفي أن تتم صياغة نظام متقن وقواعد شاملة للحوكمة، وإنما المهم أن تتم ممارسة هذا النظام بشكل فعال وقد أظهرت الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الأخيرة غياب الحوكمة حتى في الدول المتقدمة كممارسة على الرغم من وجود أنظمة متكاملة وقواعد شاملة .

فقد برهنت تلك الأزمة على وجود تقصير كبير في ممارسة الحوكمة وضعف الامتثال لأحكامها وغياب المعايير الأخلاقية في سلوك الإدارة.

ثالثاً: مزايا وفوائد الحوكمة:

يتمتع نظام الحوكمة بالعديد من المزايا والفوائد حسب رأيهم من أهمها: تشجيع الاستثمار، والابتكار، واستقرار الأسواق المالية ونموها، وتخفيض المخاطر وتخفيض تكلفة رأس المال، وضمان المعاملة المنصفة لحملة الأسهم، وتعزيز الثقة والمصداقية، وإيجاد بيئة عمل سليمة، وضمان المشاركة والمساءلة والمحاسبةوأخيراً بعد محاولة إعطاءها إطار شامل أوسع من المؤسسات أضيف لمزاياها الرفاه الاجتماعي , و التنمية الاقتصادية .

رابعاً : مبادئ الحوكمة:

يستند نظام الحوكمة بشكل عام على مبادئ أساسية تحدد هيكل نظام الحوكمة وهي::

أ‌) حماية حقوق حملة الأسهم: حيث تهدف الحوكمة إلى وضع إطار متكامل لحماية وضمان ممارسة حملة الأسهم لحقوقهم.

ب‌) العدالة والإنصاف: تهدف الحوكمة إلى ضمان المعاملة العادلة لجميع حملة الأسهم على حد

سواء بغض النظر عن عدد الأسهم المملوكة، وضمان حقوق ومصالح الأقلية . بحيث يضمن النظام لجميع حملة الأسهم فرصة الدفاع عن حقوقهم.

ج‌) تحديد مسؤوليات مجلس الإدارة: يضمن هذا المبدأ الرقابة الفعالة على إدارة الشركة من قبل مجلس الإدارة من جهة، ومسؤولية مجلس الإدارة تجاه الشركة وحملة الأسهم من جهة أخرى .

 

د‌) تحديد دور أصحاب المصالح: يضمن نظام الحوكمة الاعتراف بحقوق أصحاب المصالح، وتحقيق التوازن والتوفيق فيما بينهم . وهم على سبيل المثال: المساهمون، والعاملون، والعملاء، والدائنون، والمجتمع الذي تعمل فيه الشركة بشكل عام . ويعتبر هذا المبدأ من أهم مبادئ الحوكمة . وإذا ما تم تطبيقه بشكل جيد فإنه يشكل مقدمة لضمان تطبيق المبادئ الأخرى , ولكن كما العولمة قد حاول المروجون الإيحاء بالعبد الاجتماعي وتوسيع المفهوم ليشمل المؤسسات الاجتماعية متناسين التكوينات المختلفة بين البلدان و ما ينجم عن هكذا مفاهيم من اختلالات نتيجة فرض اصلاحات و هياكل تعقد المشهد, وحسب رأينا   الحوكمة هي مستنسخ جزئي من العولمة أو نستطيع القول أحد أدوتها و أسلحتها الإقتصادية و التي تحتاج لبيئة معينة و لشروط وظروف يجب أن تتوفر بالبلدان و التي تختلف ببناها تبعاً لمراحل النمو و التنمية و طبيعة تكوين الطبقات و شكل الحكم و هيكلية الاقتصاد و ليس كما يحاول البعض تسويقه كعلاج لمشاكل قائمة بعيداً عن الخصوصية التي يتمتع بها بلدنا سابقاً و الوضع الحالي الناجم عن حرب شاملة ساحقة دولية و كلنا يعرف أنه بالأزمات و بالظروف الالإستثنائية قرارات استثنائية و بالبلدان الخارجة من الأزمات برنامج تنموي خاص يراعي الأولويات الضرورية لإعادة الإنطلاق و ينطلق من برامج تستثمر الإمكانات أفضا استثمار بعيداً عن الحوكمة أو عولمتها و التي كانت من أسباب التأزيم , و حسب رأينا لم ولن يكون للعولمة وأدوتها أي هدف عالمي إيجابي إنساني وما كان من إيجابيات شخصية استثمر من قوى الاستكبار لفرض الفوضى و كذلك حوكمتهم و التي لا تؤلي الأهمية الكبرى للعنصر البشري و لأسلوب تعيينه و هو الغاية و الهدف وأن هكذا مصطلحات بهكذا رؤى وبرامج تزيد تعقيد مشاكلنا وإن كانت هي جزء ومدخلاً سابقاً لها , فما طرح من إصلاح إداري في حال السير به وفق مبدأ القادة الإداريين النخبويين مدخل أساسي وهام لتقويض الفساد الناجم عن أهم سبب التعيينات غير المناسبة و إضعاف دور المؤسسات و الذي قد يكون ناجم عن تبني البعض لرؤى شبيهة بالعولمة و الحوكمة , إن فرض القانون على الجميع وإعطاء دور أكبر وأوسع للمؤسسات في ظل ضعف وترهل الإدارات المدنية علاج ناجع و فعال عكس ما يصدر لنا على أساس علاجات وهي فاسدة تزيد المرض أو توجده إن لم يكن موجود .

الدكتور سنان علي ديب / رئيس فرع اللاذقية لجمعية العلوم الاقتصادية /

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]