حديث في الراتب..

 

قد يكون هاجس تحسين مستوى الدخول والأجور بمنزلة التحدي الذي لا يغيب عن أجندات الحكومات التي يعنيها تماماً رفع القدرة المعيشية للفرد كمسطرة تقاس عليها مستويات الحياة الاقتصادية والاجتماعية  للبلد –هذا إذا كنا في سياق السيرورة الطبيعية من استقرار سياسي وأمني والأهم توفر البحبوحة المادية– ولكن أن تفكر الحكومة جدياً في هذه الظروف بالذات برفع رواتب وأجور العاملين في الدولة، هذا لعمري قرار يستحق التوقف والكثير من الأسئلة بل المزيد من علامات الاستفهام.

خلال سنوات ما قبل الأزمة وخلال عشر سنوات من عمر الأداء الإداري والاقتصادي، أخذ هذا الملف الكثير من الاهتمام لدرجة وصلت فيه نسب الزيادات المباشرة والمترافقة مع إجراءات تشريعية وقانونية ساهمت في تحسين الرواتب إلى حدود مئة بالمئة، وكانت هذه الخطوات بمنزلة الرصيد الذي سجّل في كفة المسؤوليات والواجبات تجاه المواطن، ليعيد التاريخ نفسه مؤخراً بكلام من قبيل زيادة رواتب قد تصل إلى 100%.

لسنا هنا بصدد تعداد الأسباب الكثيرة التي تجعل العاملين في القطاع العام خصوصاً والمواطن عموماً غير راضين عن سلسلة الزيادات على الرواتب والأجور، فالتعاظم الكبير الذي تشهده الأسواق وأسعارها يعدّ البرهان الحقيقي على الهوة الشاسعة بين مستوى الدخل وقيم المواد وتصاعد الأسعار، وما يدل على هذه العلاقة العكسية هو تجارب ضياع نسب الزيادة فوراً مع لجوء التجار إلى امتصاص جدوى هذا المكسب للموظف والإنجاز للحكومة، وهذا هو مربط الفرس في هذه القضية التي طالما شغلت أروقة الوزارات وقضّت مضاجع ذوي الدخل المحدود لدرجة بات فيها الشك سيد الموقف في إحساس المستهلك المسبق بأن زيادة الرواتب تعني إشعاراً غير رسمي بتحليق الأسعار، ما يعني أن إصلاح الراتب ما زال صفراً وما على المواطن إلا المراوحة في المكان بانتظار فرج آخر.

المفارقة اليوم مختلفة تماماً عما سبق، فالدخول في تحدٍّ من قبيل زيادة الرواتب يعني بلغة السياسة شهادة إثبات لا عيب فيها أن الدولة كانت ولم تزل وستبقى هي المرجع والحاضن والفاعل في عملية بناء الدولة وتحريك الحياة المعيشية بالشكل الأنسب والأقدر وفق كل المعايير المنطقية والقانونية، أما بلغة الاقتصاد والأرقام فللمسألة وجه آخر قوامه أن سورية صامدة وقادرة على مواجهة العقوبات والحصار الدوليين بدعم المواطن مادياً ومعنوياً على يد “جيش” خطا إلى أبعد الحدود في تحرير المنشآت والحقول النفطية وآبار الغاز بالتزامن مع الرهان على عودة الإنتاج للمعامل وضخ حنفية الإقراض في المصارف الحكومية.

 

هي إشارات إيجابية لملف يشكل المنعطف الرئيسي في حياة المجتمع الذي تعب من كابوس الغلاء المهيمن على جميع القطاعات الإنتاجية والخدمية  وغيرها من السلع والمواد استراتيجية كانت أم استهلاكية، ومع أن الناس تهتم بالنتائج على الأرض وليس العوامل والمسبّبات فإن كلاماً مفاده زيادة في الرواتب يعني الكثير لمن وصلت به الحال إلى درجة صعبة من المعاناة في ظل الارتفاعات المتواصلة على الأسعار دون استقرار معين، وهذا ما زاد الأزمة تعقيداً وبالتالي فإن سريان معلومة الزيادة منذ أسابيع يفيد بأن المجتمع بدأ يتلمس آليات ومناهج التعاطي التي تتبعها الحكومة معه وهو يدرك بحكم الخبرة متى وكيف تكون الدولة جاهزة للعطاء في الجيب الكبيرة ومستعدّة للأخذ من الجيب الصغرى.

بكل الأحوال وكمواطنين قبل أن نكون إعلاميين، فرصة الزيادة القادمة لها الكثير من الإيجابيات رغم الكلام الذي طالما كرّره من ليس لديهم فرصة عمل ومفاده أين نحن من زيادات كهذه وهل شريحتنا نكرة في موضوع تحسين الأجور..؟ وما الجدوى من زيادة أكلت قبل أن تصل إلى الجيوب عبر فرّامة رفع أسعار.

 

علي بلال قاسم

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]