عرمرم البطالة..!؟

 

لا ريب أنّ الدّمار الهائل الذي لحق بالكثير من المنشآت الإنتاجية أو الخدميّة، العامّة منها أو الخاصّة، على امتداد الجغرافيا السّورية، خلال سنيّ الأزمة وإرهابها الأسود؛ أدّى إلى ارتفاع نسب البطالة، وفقدِ آلاف العاملين وظائفهم، والتحاقهم بصفوف العاطلين عن العمل، بينما قوّضت العقوبات الاقتصادية الجائرة المفروضة، فرص تطوير ماكينة الإنتاج أو حتى ترميمها وصيانتها، ما انعكس بطأً على عجلة نموّنا الاقتصادي، وبالتّالي تراجعاً حادّاً في فرص العمل.

بطالةٌ؛ تُشكّل بأرقامها المُفجعة، تحدّياً كبيراً أمام الحكومة، وتُرتّب عليها اعتماد أسس عالية المرونة للشّروع بسياسات تشغيلية لاستقطابها، ترتكز بدايةً على سياسة ماليّة بمعايير علمية تحقّق مرونة تسييل الإنفاق العام بما يخدم استثمار العمالة ولاسيّما في القطاعات ذات الأثر الإنتاجي الأسرع، واعتماد آليات ذكية في امتصاص هذه العمالة وزجّها في هيكليات القطاع الخاص بصفته المشغّل الأكبر للقوى العاملة، فضلاً عن إيجاد الصّيغة المُلزمة للمصارف الخاصة للمساهمة في تقديم القروض الإنتاجية والاستثمارية للمشروعات الصّغيرة والمتناهية الصّغر، وبتسهيلات مصرفية مغرية، سواء لجهة سداد الأقساط، أم معدّلات الفائدة، وربطها بمستويات التشغيل والعمالة، ما سيولّد دخولاً لشرائح اجتماعية واسعة ويساهم في تنشيط الأسواق وتحريك عجلة الإنتاج ويدفع قُدُماً نحو رفع حجم الطلب على العمل وخاصة في الأرياف.

ولعلّ الخطوة الحكومية بتخفيض الرّسوم الجمركية على المواد الأولية ومدخلات الإنتاج اللازمة للصناعات المحلية بنسبة 50 بالمئة، تندرج في سياق دعم قطاع الأعمال الوطني، العام منه والخاص، وتصبّ في خانة عودة عجلة الإنتاج إلى الدوران، وزيادة معدّلات الربحية فيها، ما سيشكّل بالتالي رافعة لحجم الطلب على العمل، بقدر ما يرتّب من ضرورة اعتماد سلّة ردع، تكبح جماح القطاع الخاص عن صرف العاملين لديه تعسّفياً.

وفي معرض استقطاب العمالة لا بُدّ من لحظ ضرورة النأي بالاستثمار الحكومي عن مشروعات خدمية ضخمة، وتوفير رؤوس الأموال لضخّها في مشروعات إنتاجية تشكل بترابطاتها الأمامية والخلفية، عامل تأسيس لمشروعات أخرى تُؤمّن فرص عمل جديدة، فضلاً عن ضرورة رفع حجم الإنفاق العام -بما لا يزيد من معدّلات التّضخم- وتخفيض معدّلات الفائدة على القروض، ما سيزيد من القوة الشرائية لدى الأفراد وينعكس طلباً على السلع والمنتجات، ويُشكّل عاملاً مُحفّزاً للمنتجين نحو زيادة مُعدّلات الإنتاج، وبالتالي زيادة طلبهم على اليد العاملة.

ولا بُدّ ههنا من إعادة التّذكير بأهمية الإفادة من المنظمات الإنسانية الأممية وتوجيهها نحو تأسيس مشروعات إنتاجية لتشغيل العاطلين بما يساهم في توفير مصادر دخل تساعدهم في تأمين احتياجاتهم اليومية والمعيشية من جهة، وتُقلّل من نسب البطالة من جهة ثانية، عوضاً عن سياسات تقديم المساعدات العينية المباشرة التي تشجّع على التّواكل ولا تقدّم أية قيمة مضافة، ناهيك عن ضرورة لحظ فائض الخريجين عند رسم السياسات التعليمية المرتبطة بسوق العمل ومفرداته، وإخضاع العاملين إلى دورات تدريبية وتأهيلية مستمرة، لتغيير التركيب الهيكلي لقوة العمل بما يتناسب مع حاجة المشروعات القائمة والتطورات الإنتاجية والتقنية فيها.

والحال أنّنا أمام هذا الجيش العرمرم من العاطلين عن العمل، والآثار السّلبية للبطالة والانحرافات التي أسست، وتؤسّس لها، كالعمل في الأنشطة غير الشّرعية كالتّهريب والاتجار بالممنوعات والسّرقة وسواها، والتي باتت واقعاً لا يمكن إنكاره، تغدو الكرة في ملعب الجهات الحكومية المعنيّة بواقع سوق العمل، ورسم سياساته التشغيلية بموضوعيّة وجرأة، مع تحديد ملامح سيناريو استقطابها المستقبلي، ربطاً بعامل الزّمن، وبالآليّات العملانيّة الكفيلة بامتصاصها.

أيمن علي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]