لهذه الأسباب تهرب “النعمة” من طرطوس…

 

يبدو أن توصيف محافظة طرطوس بالزراعية والسياحية أضر ولم ينفع، لأنها كانت الحجة، و”القشة” التي حرمتها من توطين المشروعات الاستثمارية الصناعية الوازنة، رغم وفرة العمالة المؤهلة أكاديمياً وتنوعها، والسيولة المالية المتاحة بين بعض أبنائها، إضافة إلى المرونة والقدرة على استقطاب اليد العاملة من أبناء المحافظات بحكم التنوع الجغرافي، والمناخي، والديمغرافي، والموقع البحري الاستراتيجي كبوابة بحرية مهمة بين الشرق والغرب، والبري الحدودي مع لبنان، والقرب من الحدود العراقية عبر الخط البري المباشر المقرر شقه وتنفيذه بين ميناء طرطوس ومعبر التنف قبل اندلاع الحرب، لكن هذه المعطيات، على ما يبدو، لم تشفع، ولم تدفع باتجاه تكريس وتأسيس استثمارات قوية قادرة على بناء صناعة اقتصادية قوية منافسة، ليبقى الأمر حبيس استثمارات سياحية، وزراعية، ونقلية عائلية فردية بسيطة، ضيقة، وغير منتجة بالمجمل بالمعنى الموضوعي للكلمة، مع حرف وورش صناعية صغيرة متناثرة هنا وهناك لا أكثر ولا أقل!.

 

الاستثمارات المهاجرة

 

مع اندلاع الحرب الظالمة على سورية قبل سبع سنوات، والتدمير المنظم والممنهج الذي طال كل شيء، بما فيها المعامل، والمصانع، والشركات الصناعية العامة والخاصة التي كانت قائمة في عدد من المحافظات الساخنة كحلب وريفها، ودمشق وريفها، واضطرار الناجين من أصحابها للفرار بجلدهم، والبحث عن رزقهم في الأماكن الآمنة، في محاولة لإعادة بناء ما تم تدميره، أو نقل ما لم تصله يد الإرهاب حينها بعد إلى تلك المناطق، أتى قرار رئاسة مجلس الوزراء “المتأخر” بفارق عامين عن عام الحرب، برقم  17/15/ب تاريخ 12/8/2013 الذي صدر تحت ضغط استغاثات وأصوات الصناعيين وغيرهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ليحدد الأسس والاشتراطات اللازمة لنقل المعامل والمنشآت الحاصلة على تراخيص دائمة ومؤقتة، الواقعة في المناطق الساخنة إلى المناطق الأكثر أماناً، والسماح بنقل المنشآت والهنغارات إلى المناطق الصناعية، والأراضي الزراعية من التصنيف الخامس وما فوق.

 

استقطاب المنشآت

 

وفي محافظة طرطوس بلغ عدد المنشآت التي تم استقطابها مئة وثلاثاً وأربعين منشأة صناعية وحرفية وورشة صغيرة ومتوسطة من إجمالي المنشآت التي هجّرت، كما يقول عمار علي مدير صناعة طرطوس، لتستوطن مؤقتاً محافظة طرطوس من بين آلاف المنشآت التي كانت عامرة نابضة بالحياة والإنتاج، ويقدر “علي” إجمالي قيمة المنشآت المنقولة للمحافظة بما لا يتجاوز الـ 200 مليون ليرة سورية، أمنت 300 فرصة عمل، كما أن مئة من المنشآت عبارة عن ورش وحرف صغيرة تعمل دون تراخيص في مجال تصنيع الحقائب، و”أقشطة” الملابس ضمن نطاق بلديات المحافظة، وهناك ثلاث وأربعون منشأة صناعية وحرفية تعمل في مجال صناعة الألبسة الداخلية والخارجية، والمنتجات البلاستيكية، والجلديات، و”كعوب” الأحذية العالية، والأحذية الرياضية الولادية والرجالية والنسائية، وصناعة الميلامين، وطناجر الألمنيوم، غير أن بدء عودة الأمن إلى الكثير من المناطق السورية بفضل بطولة وتضحيات جيشنا الباسل دفع بالكثير من الصناعيين إلى اختيار طريق العودة.

 

البلاغ رقم /4/ خفض المساحة المطلوبة للترخيص بعد جهد كبير وزمن طويل من أربعة دونمات إلى ثلاثة دونمات، وكذلك الحال فيما يخص الوجائب، ومع ذلك لم تحل المشكلة، وبقي إحجام المستثمرين وترددهم واضحاً، فكانت النتيجة أن خسرنا المصنع، والصانع، والصناعة، لأننا بهكذا إجراءات ندفع بهم دفعاً خارج الحدود، ونقدمهم كنزاً مجانياً للجوار، وصرنا نستقدم منتجاتهم على أنها مستوردات، فيما هي تستحق بجدارة عبارة صنع في سورية؟!.

 

وبنظرة شمولية

 

البحث في واقع الاستثمارات في محافظة طرطوس يبيّن توزعها ضمن ثلاث فئات: تضم الأولى المنشآت الصناعية والحرفية الخاصة المرخصة المستوطنة، وعددها بحدود 1100 منشأة، بينها قرابة الـ 450 منشأة صناعية كبيرة مثل صناعة الرقائق البلاستيكية، والزيوت، والسمون، والأدوية البشرية التي يؤكد مدير الصناعة أن عددها وصل إلى إحدى عشرة منشأة، رأسمالها يتجاوز الملياري ليرة، وستساهم بتشغيل أكثر من ألف عامل لوحدها، وغيرها من المشروعات الهندسية، والكيميائية، والغذائية، والنسيجية.

 

والثانية: البدء بإحداث مناطق صناعية في مناطق ومدن وأرياف المحافظة لإقامة الاستثمارات الصناعية والحرفية ضمن الوحدات الإدارية المدرجة ضمن خطة المحافظة لعام 2017، وفق الرؤية والمنظار الحكومي لتنشيط الاستثمارات، وتشجيعها.

 

والثالثة: الاتجاه نحو إقامة مشروعات استثمارية يتم اقتراحها وتنفيذها من قبل الوحدات الإدارية، وتمولها وتدعمها الدولة بهدف تشغيلها من قبل أسر الشهداء والجرحى والمفقودين ضمن نطاق كل وحدة.

 

في جانب المناطق الصناعية

 

أعدت مديرية المناطق الصناعية في محافظة طرطوس، وفق مديرها حسان عباس، دراسة لواقع المناطق الصناعية والحرفية ضمن الوحدات الإدارية المدرجة في خطة العام الحالي، بعد زيارة الوفد الحكومي، من حيث نسب الإنجاز والمراحل التي وصلتها، والعوائق والصعوبات للنهوض بالقطاع الصناعي، واستكمال تنفيذ وإنشاء واستثمار المناطق الصناعية والحرفية في المحافظة، لأنها النواة الحقيقية للتخطيط الإقليمي المستقبلي، والتنمية المستدامة.

 

ففي مدينة بانياس نفذت المنطقة الصناعية  في عام  2008 على الطرف الشمالي الشرقي منها /جانب نهر جوبر/، ويمكن توسيعها باتجاه الغرب كون العقارات غير منظمة، ومساحتها /13.2هكتاراً/، وعدد المقاسم /352 مقسماً/ مفرزة عقارياً، ونفذ مشروع الشبكة الكهربائية الداخلية مع المحولات بمنحة من الأمم المتحدة بقيمة تجاوزت الـ 247 مليون ليرة، وتم التعاقد مع مؤسسة الإنشاءات العسكرية لتنفيذ مشروع شبكة المياه، والمشروع قيد الاستلام، وتم الانتهاء من الاكتتاب على المقاسم في المنطقة الصناعية، حيث بلغ عدد المقاسم المرخصة لتاريخه /210/ مقاسم، وقد باشر أكثر من /100/حرفي ببناء مقاسمهم، ومن المتوقع أن يتضاعف العدد مع نهاية العام الحالي بعد اكتمال تنفيذ الخدمات، والبنى التحتية، كما تم إنجاز التكاليف النهائية للعقارات في مديرية المصالح العقارية، وصرف بدلات الاستملاك بموجب المساهمة المالية المقدمة من وزارة الإدارة المحلية والبيئة.

 

بانتظار التصديق؟!

 

أما المناطق الصناعية المدرجة في خطة العام الحالي فقد تم استملاك المنطقة الصناعية في مدينة الشيخ بدر بمساحة  7 هكتارات، وتسديد بدلات استملاكها، وأعدت الدراسة الفنية التفصيلية للمنطقة، وبلغ الكشف التقديري لأعمال البنى التحتية قرابة 1.3 مليار ليرة، ويقوم فرع الشركة العامة للمشاريع المائية بطرطوس بالتنفيذ  بالتراضي، وقد وضعت الشركة مسودة برنامج زمني بانتظار تصديق العقد من رئاسة مجلس الوزراء، حيث بلغت نسبة الإنجاز لتاريخه 8%؟!.

وفي الدريكيش بلغت مساحة المنطقة الصناعية /4,5 هكتارات/، منها /2.5 هكتار/ أملاك خاصة مستملكة، والباقي أملاك دولة حراجية، وبلغت قيمة الاستملاك حوالي 135 مليون ليرة، سدد منها /65/ مليون ليرة بموجب مساهمات وزارية في عام 2016، والمتبقي قرابة الـ 70 مليون ليرة، وقد أعدت الدراسة الفنية التفصيلية للمنطقة الصناعية، وبلغ الكشف التقديري لأعمال البنى التحتية أكثر من 776 مليون ليرة، وقد باشر فرع الشركة العامة للبناء والتعمير بطرطوس العمل، ووضعت الشركة مسودة برنامج زمني بانتظار تصديق العقد من رئاسة مجلس الوزراء، وبلغت نسبة الإنجاز لتاريخه 5%؟!.

وفي مدينة صافيتا بلغت مساحة المنطقة الصناعية حوالي 10 هكتارات، 8 هكتارات منها أملاك مدينة، والباقي أملاك خاصة، وصدر قرار من مجلس المدينة  عام 2017 باستملاك العقارات الحراجية ضمن المنطقة الصناعية، وأعدت الدراسة الفنية التفصيلية للمنطقة الصناعية، وبلغ الكشف التقديري لأعمال البنى التحتية أكثر من 958 مليون ليرة، وقد باشر فرع شركة الطرق والجسور بطرطوس أعمال التنفيذ وشق الطريق الواصل إلى المنطقة الصناعية، ووضعت مسودة برنامج زمني بانتظار تصديق العقد من رئاسة مجلس الوزراء، وبلغت نسبة الإنجاز لتاريخه 3%؟!.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تأخرت وتتأخر إجراءات تصديق عقود المناطق الصناعية المزمع إشادتها، ولمصلحة من، علماً أن الحكومة هي التي طرحت الفكرة، والاتجاه لتشميل أكبر عدد من المناطق والقرى لم تكن بهذا الوارد قبلها، وهي التي وجهت بالتوجه نحو البناء الشاقولي للحفاظ على الرقعة الخضراء ما أمكن؟!.

باقي الوحدات

في قطاع بلدية دوير الشيخ سعد القريبة من مدينة طرطوس تم إحداث منطقة حرفية صغيرة  بمساحة 2.2 هكتار مستملكة  منذ عام 2010، وسددت البلدية بدلات الاستملاك البالغة أكثر من 17.5 مليون ليرة، وتعد الخدمات الفنية بطرطوس الدراسة التفصيلية الفنية، وتقدر احتياجات المباني والإنشاءات بـ 750 مليون ليرة.

وفي قطاع بلدة الصفصافة جنوبي طرطوس بلغت مساحة المنطقة الصناعية /25 دونماً/، وهي من أملاك البلدية، وأنجزت جامعة تشرين الدراسة الفنية التفصيلية للمنطقة الصناعية، وتم استلام المرحلة الأولى، والثانية قيد الاستلام، وبلغت قيمة الكشف التقديري النهائي حوالي 337 مليون ليرة، ومنح مجلس البلدة /10/ ملايين ليرة كمساهمة من وزارة الإدارة المحلية والبيئة، والدراسة الآن قيد التدقيق في مديرية الخدمات الفنية بطرطوس لاستلامها بشكل نهائي، وتحتاج البلدة لـ 750 مليون ليرة للمباني والإنشاءات.

 

وفي بلدة الروضة شمالي مدينة طرطوس بلغت مساحة المنطقة الصناعية /2.1 هكتار/، وهي مستملكة منذ عام 2010، وبلغت قيم التخمين النهائية قرابة 39 مليون ليرة، ومنحت البلدة 20 مليون ليرة سورية لبدلات الاستملاك، وفق القرارات القضائية القطعية والنهائية،  وصدقت الدراسة التخطيطية لدى وزارة الأشغال العامة والإسكان، والدراسة الفنية التفصيلية قيد الإنجاز في مديرية الخدمات الفنية بطرطوس، وتحتاج البلدة لـ 20 مليون ليرة لاستكمال دفع بدلات الاستملاك، و40 مليون ليرة للمباني والإنشاءات.

وفي بلدة العنازة شمال شرق طرطوس بلغت مساحة المنطقة الصناعية والحرفية حوالي 3.5 هكتارات، منها 3 هكتارات أملاك خاصة، وتبلغ قيمة بدلات الاستملاك حوالي 42 مليون ليرة، ومنح مجلس البلدة مساهمة مالية من وزارة الإدارة المحلية والبيئة بقيمة 40 مليون ليرة لبدلات الاستملاك عام 2016، وتحتاج البلدة لثمانية ملايين ليرة لتسديد بدلات الاستملاك، أما المخطط التخطيطي التفصيلي للمنطقة الصناعية فهو قيد الإنجاز في مديرية الخدمات الفنية بطرطوس.

وفي بلدة رأس الخشوفة القريبة من مدينة صافيتا بلغت مساحة المنطقة الصناعية والحرفية حوالي ثلاثة هكتارات، وهي من أملاك الدولة الحراجية، وتحتاج لقرار من رئاسة مجلس الوزراء لنقل ملكيتها، وتم إعداد وتصديق الدراسة التخطيطية التفصيلية، فيما الدراسة التفصيلية الفنية قيد الإنجاز في مديرية الخدمات الفنية بطرطوس، وتحتاج البلدة لـ 400 مليون ليرة للمباني والإنشاءات.

أما باقي الوحدات الإدارية كبلدة القمصية فمساحة المنطقة الصناعية والحرفية حوالي /3.3 هكتارات/، وهي مستملكة، وتم صرف حوالي 11.9 مليون قيمة بدلات استملاك، والباقي لم يصرف لوجود اعتراضات من الأهالي على القيم التخمينية البدائية، والدراسة التخطيطية للمنطقة قيد التصديق.

أما بلدة برمانة المشايخ فمساحة المنطقة الصناعية والحرفية حوالي  /14.7دونماً/، وبلغت قيمة بدلات الاستملاك حوالي 24.5 مليون ليرة، وتم إنجاز التكاليف النهائية للعقارات الواقعة ضمن المنطقة الصناعية، وصرف بدلات الاستملاك بموجب المساهمة المالية المقدمة من وزارة الإدارة المحلية والبيئة.

وفي بلدية عين الزرقا بلغت مساحة المنطقة الصناعية /3.86 هكتارات/ من الأملاك الخاصة، وتم استملاكها، ودفع بدلات الاستملاك، وتمت زيادة مساحة المنطقة الصناعية بمقدار/1.35هكتار/ بعد توسع المخطط التنظيمي، وهي بحاجة لمبلغ 8 ملايين ليرة سورية لاستملاكها، وبالتالي تصل المساحة الإجمالية للمنطقة الصناعية والحرفية إلى حوالي/5.21 هكتارات/.

وتعمل الوحدات الإدارية في مشتى الحلو، واليازدية، والبارقية، وكفرون رفقة، وفتاح نصار بالتنسيق مع  المصالح العقارية، والزراعة، والخدمات الفنية، على إنجاز الدراسات التفصيلية للمناطق الحرفية والصناعية.

ويقول “عباس”: تتابع مديرية المناطق الصناعية والحرفية في المحافظة نقل ملكية العقارات الحراجية الواقعة ضمن المخططات التنظيمية بصفة مناطق صناعية وحرفية لصالح الوحدات الإدارية بالتنسيق مع مديرية المدن الصناعية لاستصدار قرار من رئاسة مجلس الوزراء بذلك، أما  الوحدات الإدارية في حمين، وضهر مطرو، والكريمة، ويحمور، وبحنين، والمتراس، والطواحين، فسيتم السعي لإدراجها ضمن خطة عام 2018.

المشاريع المقترحة

وشملت هذه المشاريع مجمل الوحدات الإدارية في المحافظة، كما يقول عماد خلوف مدير المشروعات التنموية للوحدات الإدارية بمحافظة طرطوس:لانزال نتلقى  الأفكار والمقترحات، وقد وصلنا عدد كبير من المقترحات التي تنوعت بين السياحي، والصناعي، والزراعي، والخدمي، والعمراني، والرياضي، والتمويني، والتربوي، وغيرها.

وستغير هذه المشاريع واقع الاستثمار والتنمية في المحافظة عندما تبصر النور، لكن هناك تفاوتاً كبيراً في تحضير المجالس المحلية لمقترحاتهم ودراساتهم، حيث لايزال معظمها قيد الدراسة والترخيص، والحاجة لتأمين الأرض، وقبل هذا وذاك التمويل الذي أخذت الحكومة على عاتقها تمويلها، فيما استثمارها وإدارتها سيكونان من قبل الوحدات الإدارية ذاتها، لكن الملاحظ أنه لم يتم تحديد مدد زمنية للانتهاء من الدراسات والتنفيذ لوضعها بالاستثمار، وهذا أحد المآخذ؟!.

عن “البعث” – وائل علي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]