نساء سوريات في مواجهة النار…

دمشق  الخبير السوري

ساهمت الأزمة في خلق آليات عمل جديدة وحلول مبتكرة في تسيير  أمور  حياتنا اليومية على مستوى منظمات ومؤسسات، وأهمها ما يتعلق  بعمليات الإطفاء والإنقاذ،  حيث كان لها تجربة فريدة في هذا المضمار، واستطاعت أن تعتمد على جهود شبان من مختلف الشرائح ليساهموا في هذه العمليات، وليقدموا خدمات تطوعية لحماية أبناء مدينتهم تحت إشراف مختصين وأكاديميين في هذا المجال.

فكرة مستنبطة

الجمعيات الأهلية والتطوعية ليست فكرة جديدة في مجتمعنا السوري، وإنما هي حالة عامة ومنتشرة في كل الميادين، لكن التطوع في مجال الأعمال الشاقة والمتعبة والخطرة إلى حد ما كالتطوع في الجمعيات الدولية “الهلال الأحمر” وغيرها هي حالة جديدة ونادرة بالنسبة إلى مجتمعنا السوري في مجال تعاون الفرق المحلية المدنية مع الجهات المختصة من المنقذين ورجال الإطفاء، حيث شارك العديد من المتطوعين في عمليات عديدة، ونفذوا مهام مختلفة في هذه المدينة خلال حوادث مختلفة تعرضت لها، وهنا يؤكد لنا مدير شؤون الإطفاء بوزارة الإدارة المحلية سعود رميلة أن هذه التجربة كانت تحت إشراف ومتابعة الوزارة بطاقمها المتمثل برجال الإطفاء، حيث تم دعمهم بدورات تدريبية ليكونوا قادرين على التعامل مع حالات الطوارئ والإنقاذ دون أن يعرضوا أنفسهم للأخطاء والمخاطر التي ترافق عمليات الإطفاء والإنقاذ، كما تم دعمهم بآليات حديثة وسيارات، وغير ذلك من متطلبات الإنقاذ، وأضاف رميلة: تم تخصيص مركز خاص لهم ضمن بناء مجهز بالكامل، يتم من خلاله توزيع المهام على المتطوعين، وهو مركز خاص بمهام الإطفاء، يتبع للفوج في تلك المنطقة، ونحن فخورون بهذه التجربة التي تسمح بمشاركة شعبية منظمة ومتدربة لمساعدة رجال الإنقاذ “الإطفاء”.

تنظيم وتدريب

تجربة جديدة أعطت قيمة مضافة للعمل التطوعي،  وتحقق تفاعلاً حقيقياً مع المجتمع،  بالإضافة إلى ترسيخ عمل الجماعة، والإحساس بالمسؤولية اتجاه وطننا وممتلكاتنا العامة والخاصة أيضاً، ويضيف رميلة: نتمنى أن تعمم هذه التجربة في جميع مناطق القطر لبث روح التعاون والشعور بالانتماء لكل ما هو مرتبط  بالوطن.

سواعد ناعمة

لم تتميز هذه التجربة باستقطاب المهندسين والأطباء والممرضين والأساتذة في عمليات التطوع والمشاركة بمهام الإنقاذ، بل نزيد على ذلك إدخال عنصر هام ومستجد في هذه المهام التي تعتبر شاقة إلى حد ما وتحتاج إلى قوة عضلية، المتمثل بالمشاركة الأنثوية ودخول المرأة السورية للمرة الأولى في هذا الميدان، حيث تم تدريب مجموعة من السيدات اللاتي أثبتن جدارتهن في تحمل مهام الإطفاء والإنقاذ والقدرة على التعامل مع الظروف الصعبة التي ترافق عملهن، وهنا أوضح  رئيس مركز الإطفاء في دير عطية مناف دعبول أن المرأة السورية استطاعت في ظل الظروف القاسية التي يمر بها الوطن أن تكون جديرة بتحمل المسؤولية والوقوف إلى جانب الرجل في تحمل أعباء الأزمة وما خلفته من حوادث مؤلمة لم تكن موجودة سابقاً، مؤكداً أن مركز الإطفاء بدوره يعمل على دعم متطوعيه بالمعلومات الكافية لهذا العمل وتدريبهم بطرق حديثة ومتطورة لتحميهم من المخاطر المختلفة لعمليات الإطفاء والإنقاذ التي يشارك فيها المتطوعون، وليس مقبولاً أن نقحمهم في أي عمل ما لم نكن واثقين من جاهزيتهم وقدرتهم النفسية والجسدية على تحمل المشاق والقدرة على التعامل الصحيح مع الحالات التي يصادفونها.

خصوصية

لا يغيب عن أحد شرط توفر القوة العضلية لأعمال الإطفاء والإنقاذ، لكن مراكز الإطفاء مدعومة بالآليات الحديثة والمتطورة جداً في هذا المجال وتغني عن القوة العضلية من قبل المتطوعات، ولا تشكل لهن أي عبء، علماً أنه يتم توجيههن بالشكل الصحيح للتعامل مع هذه الآليات، بحيث لا يكون هناك أي خوف عليهن أثناء أداء مهامهن، ويراعي قسم الإطفاء عمل المتطوعات ضمن المساحة الجغرافية المرتبطة بمدينتهن، إذ لايتم إرسالهن إلى مهام بعيدة عن مناطق سكنهن مثل المهام التي نفذت في المدن الصناعية بعدرا العمالية وغيرها.

تواصل اجتماعي

علمنا أن دعوة المتطوعين إلى مركز الإطفاء  تتم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ” فيس بوك” وهي طريقة سريعة للتواصل مع كافة المشاركين، ويشير دعبول إلى أن الإقبال الشديد من الشبان والشابات للمشاركة في عمل المركز فاق توقعاتنا، والأهم من ذلك المرونة في تلقي المعلومة والتميز بروح العمل الجماعي أثناء أداء المهام، وعن عدد المهمات التي تم تنفيذها من قبل المتطوعين، فقد أوضح دعبول أنه وصل إلى أكثر من 32حالة حريق ضمن مدينة دير عطية فقط، وهناك عدة مهام نفذت في المنطقة الصناعية بعدرا العمالية، متابعاً: إن نجاح هذه التجربة لم يتوقف فقط على إرادة وتصميم المتطوعين، بل بمساهمة العديد من الدوائر الحكومية في دعم عمل المركز، وتسهيل الكثير من العقبات التي كانت تواجهه، منها مركز مدينة دير عطية، والمكتب التنفيذي الذي أمن بعض المستلزمات عن طريق تواصله ببعض المستثمرين الذين ساهموا بدورهم لدعم هذه المبادرة الاجتماعية التي ستشكّل حالة ضمان لمعاملهم ومصانعهم في حال نشوب حريق أو أية حوادث أخرى.

تلبية للحاجات

تثبت الدراسات العلمية والأكاديمية نوع العلاقة الوطيدة بين العمل التطوعي (الجماعي)، والحس بالانتماء وتفعيله على أرض الواقع لترميم فجوة الأزمة، ولبناء صرح التطور وفق عملية تنموية منتظمة، وبحسب رأي الخبيرة في علم الاجتماع هبة هندي، فإن التجربة التي قام بها الشبان في منطقة دير عطية مثال واضح يشير إلى جوانب مهمة أبرزها الحس العالي بالمسؤولية الاجتماعية الذي يتمتع به الشباب السوري، ذكوراً وإناثاً، والتي تنبثق من واقع التكافل المجتمعي الراسخ لديهم، ويمكن القول: إن دوافع العمل التطوعي لدى الشباب متعددة ومتنوعة المصادر، فهي تلبي لديه الحاجة لإثبات ذواته، وإشباع حاجاته الاجتماعية، وامتلاك المزيد من المعارف والخبرات والمهارات التي تمكنه من التكيف في حياته بصورة أفضل في مناحيها المختلفة: (التعليمية، والاجتماعية، والصحية، والتثقيفية..إلخ)، حيث يتوقف الدافع نحو العمل التطوعي لدى الشباب حسب نمط شخصيته، وتجربته الذاتية مع المؤسسات المجتمعية، وتضيف هندي: انخراط الشباب في الأعمال التطوعية يكسبه العديد من الفوائد والإيجابيات التي تنعكس إيجاباً على هويته الذاتية والاجتماعية من خلال رفع مستوى وعيه وثقافته، إضافة إلى امتلاكه المهارات الحياتية والاجتماعية التي تمكنه من التكيف مع المجتمع المحيط به، وتزوده بمعلومات ومعارف حول شتى مناحي الحياة التي قد تحيط به وبأقرانه، وبالتالي وقايته منها على المدى القريب والبعيد.

 

أخيراً

 

لابد من  توفير بيئة تمكينية داعمة للعمل التطوعي في ظل الأزمة الراهنة التي يعاني منها المجتمع السوري، ووضع خطط متكاملة تهدف إلى تنمية هذا الحس بالانتماء للوطن، وتكرّس معاني التكافل المجتمعي لكون العمل التطوعي عملاً مؤازراً للعمل الحكومي، ومتكاملاً معه، كما أنه يوفر الظروف اللازمة للانتقال من المصلحة الفردية إلى المصلحة الجماعية، والرقي المجتمعي من المستوى التقليدي إلى المستوى الحديث.

ميادة حسن

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]