من سيلغي قراراً “أهان” موظفي الدولة ولا يزال ؟؟!1

كتب المهندس لؤي عيد:

من البدهي , عند اتخاذ الجهات الرسمية أيِّ قرار أو القيام بأيِّ  إجراء , أن يخضع لدراسة وافية من جميع الجوانب , ثم تتم متابعته ومراقبة آثاره ونتائجه على الأرض والقيام بالتعديلات اللازمة , بل لا ضير في العدول عنه وإلغائه إذا تبين فشله وعدم جدواه.

مناسبة هذه “التوطئة” هي قرار الحكومة القاضي بتوطين رواتب العاملين في الدولة لدى المصارف الحكومية، وكان العبئ من نصيب المصرفين التجاري والعقاري ، وقد مضى على القرار الآن عدة سنوات أعتقد أنها كافية لنقده وتقييم نفعه وجدواه .

في المبدأ : تحال كتلة رواتب الموظفين كاملة إلى حساب المصرفين , ويسحب الموظف ما يحتاجه من المال من حسابه المُحدَث لهذا الغرض , ويدَّخر ما تبقى من راتبه في خزانة المصرف .

وتراكم هذه المبالغ يشكل كتلة نقدية تغني هذه الخزانة وتلبى بذلك الهدف المشروع الذي ينشده أي مصرف , بل ربما هذه غاية أي مصرف .

ولتسهيل عمليات السحب هذه وُزِّعت صرافات آلية مرتبطة بفروع المصرف التجاري على امتداد مساحة الوطن , في الشوارع والأحياء , قرب الدوائر الرسمية , في الضواحي والقرى . . فيستطيع الموظف أن يقتطع من حسابه المبلغ المالي الذي يحتاجه في أي مكان تواجد فيه باستخدام أقرب صراف آلي . هي إذاً خدمة حضارية نوعية يتمتع بها الموظف .

هذا هو حساب الحقل , أما حساب البيدر . . فلم يكن مطابقاً .

ما غفل عنه أصحاب هذا القرار أن الغالبية الساحقة من الموظفين بحاجة إلى كامل مرتبه في أول أيام الشهر . فالوضع المعيشي لهذه الفئة من المواطنين لا يسمح بالادخار , بل جلَّهم يجدُّ في البحث عن إمكانية الحصول على قرض جديد يسد به الالتزامات المتزايدة , مع ضرورة ملاحظة أن هذا هو وضع الموظف حتى قبل سنوات الأزمة , أي ليس أمراً طارئاً قريب الزوال ، وبهذا الشكل فقدَ المصرف ” الموطِّن ”  الوفر المفترض الذي كان يصبو إليه من مدخرات الموظفين ، ولم تتحقق رغبة المصرف المركزي في التخفيف من تداولات النقد الورقي، لحمايته من التلف.

بالمقابل , ولنفس السبب – أي توجه غالبية الموظفين في مطلع الشهر لسحب رواتبهم – فقد تولدت مشكلة أخرى , وهي الازدحام أمام الصرافات الآلية وعدم كفاية هذه لتلبية طلبات زبائنها , أضف إلى خروج بعضها عن الخدمة ، ومع تقاعس المصرف وتراخيه في صيانة وإصلاح أعطال الصرافات والتأخر في “تذخيرها ” بالمال اللازم , أصبح معظمها (خارج الخدمة حالياً) . وظهر جلياً تململ وخيبة المصرف المضيف من المشروع , ومن البديهي أن نتوقع أنَّ سبب ذلك هو انخفاض الريعية والجدوى الاقتصادية ، وارتفاع تكاليف خدمة الصرافات التي سربت مصادر أحد المصارف أنها تصل إلى 700 مليون ليرة سورية سنوياً..

لكن الخيبة الأشد والأذية الحقيقية كانت عند الموظفين الذين أحسوا بالخديعة , فانقلبت الوعود الوردية إلى واقعٍ مذرٍ .

في مطلع كل شهر أمام الموظف رحلة قد تمتد لأيام للوصول الى الراتب الحلم . من صراف إلى آخر , هذا معطل , وذاك يعمل  لكنه لا يحوي نقود , أو ربما يحوي نقود لكن . . . الكهرباء هنا مقطوعة . وعندما يهتدي الى الصراف المناسب : يعمل و يحوي نقود والكهرباء متوفرة . يجد أمامه جمع غفير من الـ”زملاء” . وينتظر الموظف في الطابور كونه مضطر للمال, لكن وبما أن مصدر المال ليس نبعاً فسيفرغ الصراف من المال بعد حين تاركاً أمامه طابورأ من الخائبين يندبون حظهم و يكيلون بالشتائم على الصراف اللئيم . . أو ربما على الكهرباء التي قطعت بهم . ولا يثني الموظف في بحثه الدؤوب هذا برد ولاحر ولا مطر . . المهم الوصول الى الكنز . . أعني الراتب .

إن في هذا الواقع هوان حقيقي للموظف هو في غنى عنه , ولا ندري سبب إصرار أصحاب القرار على المضي قدماً به ومن المستفيد ؟؟ كما أننا لا نرى فائدة في أنصاف الحلول التي اعتمدت .

ونرى الحل الحقيقي في أن يكون توطين الراتب طوعياً , لأن الذي يختار التوطين يحقق الغاية منه (ادخار الفائض) . ونرجو أن لا تتأخر الجهات المعنية في التصويب والمعالجة .

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]