امرأة سورية “تصارع” على مقود سيارة…تمرد معلن على ذكورية مزمنة..

 

خاص – الخبير السوري

منذ  أكثر من أربعين عاماً كان ذلك المشهد الذي اعتبرناه لاحقاً علامة فارقة في النسق الاجتماعي على المستوى السوري عموماً، عندما كانت “غاليّة” تلك السيدة الريفيّة من إحدى قرى منطقة صافيتا، تعمل سائقة على سيارة البيك آب الخاصة التي كانت تملكها، وتستثمرها في نقل الركّاب والمنتجات الزراعية بين قريتها “أوبين” ومركز المدينة.

إلّا أن الحالة لم تثر جدلاً على المستوى المحلي في المنطقة، فقط كانت تترك بريق اعتزاز في أعين النساء الفلاحات وسط مجتمع هو ذكوري كتحصيل حاصل، دون أن يسعى الرجل علناً  للسيادة والاستعراض، في مجتمع بسيط بمفرداته الحياتية ، وهو بريق واضح لم يكن يخفى على ملكات الاستنتاج البريئة التي تنزوي خجلةّ في دواخلنا نحن الأطفال حينها.

بعدها بسنوات صادفنا حالة مشابهة في دمشق، إلا أنها كانت أكثر صخباً وجدلاً..سيدة خمسينية تقود “أوتوكار” لنقل الركاب على خط “الدوار الشمالي”، وارتقت الاحتفالية بالحالة لتكون مادة جاذبة في الصحف وشاشة التلفزيون العربي السوري – الشاشة المحلية الوحيدة آنذاك – وعندها ألح علينا سؤال عن سبب تعويم حالة السيدة الدمشقية، وعدم الثناء على “غالية” الريفية التي خاضت تجربة المرأة السائقة قبل – شبيهتها – بعشرين عاماً..؟؟

لم تكن لدينا إجابات جاهزة ناتجة عن إدراك الفرق بين خصوصيتي مجتمعين، الأول منفتح على بساطة، والثاني محافظ بذهنية مركبة بعض الشيء، وهذه الأخيرة ربما اقتضت التصفيق تشجيعاً لمرأة “تمردت” على خاصية الانكفاء المطلوبة بقسوة في مجتمعها..

لكن بقيت “المرأة السائقة” ظاهرة محدودة لم تنتشر كمهنة  في أوساط السوريات، وهذا انتصار لجولة تقليدية من جولات المواجهة البائسة للمرأة مع رجل مستحوذ ولا يقبل عقله الباطن التنازل بلا ثمن، وكان ذلك كله يجري دون تدخل حكومي أو رسمي من الدولة، التي كانت تتفرج وكالعادة تهادن القيمة الاجتماعية بغض النظر عن غثاثتها أو أهميتها…لنصل بعد الرض الذي حصل في سنوات الحرب العجاف، إلى زمن لم نكن نتوقع فيه ما حصل، إذا أعلنت إحدى الوزارات عن مسابقة لتعيين النساء في مهنة سائق، وهذه سابقة بالتأكيد ليست من إنتاج جرأة الرجل التنفيذي، بقدر ما هي من نتاج أزمة، أو لعله موقف كموقف من لم يجرؤ على قول حق يخشاه، فاختار الضجيج ليطلق كلمته دون أن يكون مسؤولاً عنها…لكن على كل حال كان القول والفكرة صحيحين، إلا أن هذا لا يكفي ..فالمرأة لن تكون مقبولة كسائقة في مجتمع “الرجال قوامون على النساء”..

بالتزامن يأتي تصريح مدير عام شركة المخابز “شركة عامة” عن اضطرار الشركة لتعيين عاملات  في مهن الرجال داخل اختصاصات أقسام الشركة، والسبب قلّة أعداد الشباب الذين تنطبق عليهم شروط التعيين.

كما أن الشباب غير مضطرين في مثل هذه الظروف للعمل 8 ساعات براتب 16 ألف ليرة سورية شهرياً “راتب الفئة الثالثة”، لكن هذا التوجه لم يكن سلساً بسيرورته، في بعض المجتمعات أو المحافظات، لذات الإشكالية وذات الأسباب المجتمعية.

الخلاصة يبدو أننا في سورية دخلنا في مواجهة مع الرواسب التراثية المجتمعية، ولا ندري كيف سيكون الحسم إن بقيت المرأة تعتبر نفسها جزء من ممتلكات الرجل..؟؟!!

لعلها من فضائل الأزمات، أو ربما من “كوارثها” تلك الانعطافات الحادة والقسرية في ثقافات المجتمع السوري، فثمة وقائع فرضت متغيرات اعتبرها بعضهم محنة، فيما صفق لها بعضهم الآخر ووجد فيها استجابات لكسر “تابو” فشلت كل المساعي الحكومية والفردية العلمانية في كسره، فلننتظر ونحن نفعل شيئاً يكسر قوالب طالما اعتقدناها مقدسات..

 

 

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]