إن المعنى الحقيقي لامتلاك الأشياء يأتي من استخدام هذه الأشياء في خدمة مالكيها، وليس لوقوعها تحت تصرف وسيطرة أشخاص وحتى جهات، فكيف إن كانت ملكا للدولة ووجدت حكومتها أن هناك ضياعات كبيرة في العائدات المالية نتيجة لتقديمها على طبق من فضة، في مرحلة كانت “أطباق” الحكومة تُصنع لأجل التأجير لصالح الغير، وبقيم وبدلات استثمارية لا تكاد تذكر أو تتناسب لا مع قيمة تلك الأشياء، ولا مع الهدف الاقتصادي المرحلي والمستقبلي من إعدادها..!؟.
ما بيِّناه أعلاه قصدنا منه أملاك الدولة تحديدا وضرورة وضع قضيتها تحت مجهر حساب “سوق الحكومة وصندوقها” والتي حان وقت تصحيح وضعها الاستثماري والتشغيلي وبالتالي المالي، وبما تستحقه فعلا، لا بما يتوافق مع أهواء البعض ممن يريد وضع رأسه برأس الدولة، فيحرمها من عائدات هامة هدر كثيرها على مدار سنوات، في الوقت الذي وجِدت فيه لتأمين خدمات عامة اقتصادية وتنموية واجتماعية وغير ذلك؛ عائدات يُبيحها ذلك البعض لنفسه وحده ولمن ساعده، تحت مسوغ قانوني أو عقدي، بينما يستكثرها على الدولة الباحثة عن أي عائد مالي هو في الأصل من حر مالها وملكها وحقها..، للنهوض بكم الأعباء والمتطلبات ومواجهة التحديات الآنية والقادمة التي تخلفها يوميا الحرب الإرهابية في كل مفاصل قطاعاتها الاقتصادية.
ولعل قضية “مول قاسيون” مثال من أمثلة كثيرة على ما أسلفنا، والذي نستغرب فيها ذلك العناد تجاه ما هو حق للدولة ممثلة بحكومتها، كما نستغرب أن لا يعلم من يسعى لعدم عودة أو إعادة – على اقل تقدير- الحكومة لما هو حق لها في تصحيح صياغة بنود عقدية جديدة تتناسب مع الأسعار الحالية، وبما يضمن مصلحة الدولة والمستثمر معا، علما أنه يحق للحكومة أكثر من ذلك وخاصة في زمن الحروب والنكبات والكوارث، وما يدعم قولنا موجود في كل الداساتير والقوانين العالمية التي تطبقها الدول حين تعرضها لذلك.
أملاك الدولة كان محور تصريح وزيرة الدولة لشؤون الاستثمار وفيقة حسني إذ أكدت أن اللجنة التي تشكلت في الشهر العاشر من عام 2016، كان هدفها الرئيسي تناول واقع العقارات الحكومية المؤجرة للقطاع الخاص، ليتم لاحقاً دراسة كيفية معالجة هذه العقود والتعامل معها، ومعرفة هل نحن قادرون على تناول هذا الموضوع، مشيرة إلى أن الوزارة خاطبت كافة الجهات الحكومية، كما عمدت إلى توزيع استمارة تضم المعلومات التي يمكن من خلالها الوصول للبيانات التي ترغب الوزارة الحصول عليها، بالإضافة إلى الحصول على ملاحظاتهم من جهة أخرى.
تفاوت بالتجاوب
ولفتت حسني إلى أنه وبعد تصميم الاستمارة قامت الوزارة بتوزيعها على الجهات المعنية، والتي بدورها تجاوبت معنا، فأغلب الوزارات رفدتنا بالمعلومات، والبعض الآخر أفاد بأنه لا يملك عقارات مؤجرة، إضافة إلى أن هناك وزارات متباينة في حجم هذا الملف، علماً أنه سبق تشكيل هذه اللجنة تشكيل لجان فرعية في الوزارات لدراسة هذا الواقع وموافاتنا بالبيانات المطلوبة حسب النموذج المرسل.
هزيلة جدا
وحول البيانات التي خلصوا إليها أوضحت وزيرة الدولة لشؤون الاستثمار أنه من خلال تفريغ البيانات المرسلة من الوزارات ظهرت عدة نتائج، تفيد بأن هناك عقارات وفق عقود أجار قديمة تخضع لقانون أجار سابق وظلت كما هي تتجدد، وبطبيعة الحال هي لا تتناسب مع السعر قبل الأزمة ولا خلال الأزمة، لافتة إلى أن الإيجارات كانت هزيلة جدا من جهة، ومن جهة أخرى كان هناك عقود حديثة ليست بالشكل المطلوب، وهذا بالضبط ما دفعنا للتأكيد على ضرورة وجود ضوابط لذلك.
فرق قيمة 3 مليارات
وفيما يخص ملف وزارة الزراعة، قالت حسني: إن هذا الملف ينقسم إلى شقين من العقارات وهي: (الأراضي- وحدات سكنية)، فبالنسبة للشق المتعلق بالأراضي، فقد كانت مؤجرة للفلاحين، حيث تعود هذه الإجارات لستينيات القرن الماضي، عندما حدث الإصلاح الزراعي وتوزيع الأرضي، كاشفة عن أنه وعند تحريك هذا الملف، اقترح الفلاحون القيمة التي يريدون زيادتها، حيث تم رفع الموضوع لرئيس مجلس الوزراء الذي بدوره وجهه إلى اللجنة الاقتصادية، وفعلاً صدر القرار وتم العمل فيه من 1 /1/ 2016، وبعد هذا الإجراء يمكن القول: إن فرق قيمة الأراضي بلغ 3 مليار ليرة (حيث تم ضرب قيمة الدونم بـ 10)، مشيرة إلى أن هناك بيانات دقيقة عن واقع الأرضي في محافظتي دير الزور والرقة لم تستطع الوزارة الحصول عليها بسبب الوضع الحالي في المنطقة.
أما الشق الثاني الخاص بوزارة الزراعة، فهو المساحات المؤجرة لإنشاء مشاريع (كإقامة مدجنة أو معمل) لكنها في النتيجة أراضي زراعية، علماً أن أصحاب هذه المنشآت يعدلون إيجاراتهم كل فترة، حيث تم معالجة هذا الملف بنفس الطريقة التي تمت بها معالجة ملف الأراضي الزراعة، فالمساحات كانت إيجاراتها منخفضة جداً لا تتناسب مع واقع النشاط الاقتصادي الذي يقومون فيه .
نقلة بالعوائد
وبالانتقال لمعالجة موضوع المقالع، أكدت الوزيرة أن لدى وزارة الزراعة عددا منها وبمساحات كبيرة، ويتم معالجتها من خلال اللجنة، إضافة إلى معالجة موضوع المساحات المؤجرة لشركتي الاتصالات، ومن خلال البيانات التي وصلت إلى اللجنة كان هناك مساحات كبيرة مؤجرة للشركتين وفقا لتعميم رئاسة الوزراء الناظم لها في العام 2001، كما تم معالجة ملف الاتحاد الرياضي العام، بعد توجيه رئيس مجلس الوزراء بمعالجة ملف العقارات التابع للاتحاد الرياضي، حيث تمت معالجة 50% من العقارات، ما أدى إلى نقلة نوعية بالعوائد.
وزارات كسلى..
ولكون القضية لا تخلو من التعقيد كان لوزيرة الدولة وقفة عندها، فبينت الصعوبات التي واجهت اللجنة في الفترة الماضية، حيث كشفت عن أن هناك عقود لمدة طويلة، لا يوجد لها في النص القانوني إمكانية للحل لأن السعر سيكون مجحفا، وأيضاً هناك بعض الوزارات تملك عقارات إلا أنها لم توافينا ببيانات حولها، لافتة إلى أن رئيس مجلس الوزراء وجه في الاجتماع الأخير بمتابعة المعالجات، علماً أنه تم معالجة نجو 1015 عقار. وكشفت عن أنه قد تم تشكيل لجنة قرار، ذات مهام قانونية ومالية تتابع الوزارات في معالجة الملفات العالقة، منوهة بأن عمل اللجنة بات له طابع تفتيشي ورصد، مؤكدة أن هناك تنسيق بين الإدارة المحلية ووزارة العدل لمعالجة الأمور القانونية بطريقة لا تضيع معها حقوق الدولة.
قسيم دحدل – البعث
التعليقات مغلقة.