ناشري نعوات كاذبة بهيئة باحثين… والفقر والدعارة عناوين التشويق البغيضة

خاص – الخبير السوري

كم هي بالغة الجرأة تلك الدراسات المنسوبة لأشخاص تصدوا للمواجهات الرقمية المثيرة في هذا الزمان الذي اتسم بيومياته “الفانتازية” في المشهد السوري بعموميته، أو الدراسات الأخرى المتبناة من مراكز أبحاث كان لها حضورها وسط حالة الخواء التي أنتجتها الأزمة، وقد لانملك إلا أن نثني على جهود هؤلاء فعلى الأقل من شأن نشاطهم أن يبطل احتمالات إحساسنا بالعدمية والوجوم وهذه أخطر كارثة معنوية يمكن أن تعترينا جراء ما نحن فيه من وهن .

إلا أن ما “نُقذف” به من أرقام صادمة لا تزيدنا أحياناً إلا حيرة وتشتتاً، فقد اعتدنا كما كثير من السوريين ألا نسلّم بمعطى رقمي عائم لا يستند على أرضية واضحة، ولا نعتقد أن مثل هذه القاعدة متاحة في هذه الظروف، على اعتبار ما نحن فيه من اختلاط لأوراق وتداخل للمعطيات و”تلوّن” برع به المواطن في نسق العوام، كما كان ماهراً به المسؤول في سدّة المنصب، بالتالي لم يعد من السهل الحكم على المظاهر…وقد عانينا جميعاً في تلمس ملامح هويات بعضنا البعض في جدلية الانتماء لسورية في معمعة تقمص الأدوار، وفي هذا اعتراف ليس من الحكمة نكرانه لأننا لسنا في جلسة مجاملات او “اجتماع” لازم قررنا فيه مسبقاً لاقتصار في مداولاتنا على النفاق والتصفيق لبعضنا البعض.

بلا طول استطراد ..نعود إلى إشكالية الرقم الإحصائي والدراسات التي بدأت تتكاثر بشكل مضطرد، أي ثمة ما هو ممأسس ومنظم علينا على ما يبدو أن نعد أنفسنا بالمزيد من نتاجه، لذا لا بد من أن نعد للعشرة ونتروّى قليلاً قبل أن نمضي أو نسمح لأحد بأن يمضي في هذا الاتجاه الوعر حقيقةً.

فربما لا نملك أن ننفي أن احتياجات الأسرة من البدلات النقدية للانفاق تصل إلى 260 أو 270 ألف ليرة سورية شهرياً، كما ورد في تقديرات الكثيرين الذين تصدوا للبت في مثل هذا الرقم الصعب، لكننا نعتقد أن الذين خرجوا بهذا” الإنجاز الإحصائي” اكتفوا بضرب أرقام الإنفاق القديمة التي كان قد أصدرها المكتب المركزي للاحصاء –المرحوم أو ربما الغارق في كوما قد تطول – ضربوها بعشرة أو احد عشر ضعفاً، بناء على حسابات التضخم النقدي الحاصل بين عام 2011 والمرحلة الراهنة، وهذا ليس دقيقاً بالمطلق، على الأقل في حسابات السلم والحرب، وكلنا نعلم أن جذوة إنفاق استهلاكي ترفي قد اجتاحت البلاد في سنوات ما قبل الأزمة، والآن نحن في حرب ضروس اختلفت معها محتويات سلّة المستهلك بين الأساسي والترفي.

وفيما يتعلّق بأرقام ونسب الفقر ونسبة الـ 67 بالمئة التي يتم تداولها على ذمة مركز أبحاث لمع نجمه حديثاً، فنعتقد أن تقديرات مثل هذا الأمر بالغة الصعوبة للخروج بمثل الرقم المعلن فقد تكون الحقيقة أكبر من ذلك أو أقل  ولا يجوز إطلاق الأرقام المدوية في القضايا الحساسة هكذا جزافا لأنها تترك أثراً عميقاً في طريق صداها الراجع.

وكان لافتاً أن تركز إحدى الدراسات الطازجة على الأعمال اللا أخلاقية التي انزلقت إليها السوريات لتأمين مصدر عيش، ولم تتطرق إلى المهن النظيفة المبتكرة التي برعت بها المرأة السورية على إيقاع الأزمة وما خلفته من حاجة، وأغلب الظن أن الشواهد كثيرة لمن يكلف نفسه عناء البحث عنها وإحصائها، وهي أمثلة مشرقة يجب أن نعمل جميعاً على تظهيرها والكشف عنها.

في هذه الأجواء الكئيبة نحن بحاجة إلى تعويم الملامح البيضاء على قلتها، وهي واضحة لا تحتاج إلى أدلّة وبراهين، فلماذا يتجاهلها “باحثونا” ويتهافتوا على نشر “أرقام السوء” غير المؤكدة لكنها الأكثر قابلية للتصديق لأن الإنسان بفطرته يجنح نحو المعطيات السوداء، خصوصاً نحن السوريين الذين كشفت الأزمة أننا من أكثر عشّاق “الفاينة” والخصال الرديئة.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]