المهربات تشعل هواجس الصناعيين السوريين ..وشيء ما يشبه التنازع مع التجار

 

حرب اقتصادية ضروس شُنت على الصناعة الوطنية بغية شل الاقتصاد المحلي عبر تدمير منشآتها وفرض حصار اقتصادي مطبق لوضع العصي في عجلات قيامتها مجدداً، لكن ذلك لم يحل دون مقدرة الصناعي السوري على مواصلة الإنتاج، متجاوزاً صعوبات كثيرة للمحافظة على منتج «صنع في سورية» محلياً وخارجياً، وهو ما تحقق مؤخراً بجدارة بشكل يستوجب رفع القبعة احتراماً لعظيم إنجازات صناعي تحمّل وصبر وأبدع في إنتاج سلع منافسة جودة وسعراً في أصعب الظروف وأحلكها.

«تشرين» التقت رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها سامر الدبس في حوار صريح تناول قضايا هامة تلامس هموم الصناعيين والصعوبات التي تواجه إقلاع الصناعة الوطنية كالتهريب والتمويل، إضافة إلى التطرق إلى الخلافات بين الاتحادات والغرف الاقتصادية، والتحضيرات لمعرض دمشق الدولي وغيرها.

تشجيع المنتج المحلي

أبدى سامر الدبس رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها تفاؤله بواقع الصناعة بعد سنوات الحرب السبع، بعد مقدرة الصناعي على تجاوز صعوبات كثيرة خلّفها الإرهاب والعقوبات الاقتصادية، حيث استمر بالإنتاج وتوظيف العمال عبر نقل معامله الكبيرة من مناطق ساخنة إلى ورشات في العاصمة أو مناطق أخرى آمنة، فكانت النتيجة عملاً جباراً بدليل أن 90% من المنتجات الموجودة في البقاليات صناعة سورية، وهذا مدعاة فخر واعتزاز.

ورغم أهمية قدرة الصناعي على تجاوز الصعوبات ومواصلة الإنتاج، لكن لا يمكن تجاهل غلاء السلع المحلية بشكل يمنع المستهلك من شرائها متجهاً إلى مثيلها المستورد، وهو ما يرفضه الدبس بتأكيد أن غلاءه سببه رفع تكاليفه من جراء ارتفاع سعر الصرف والمشتقات النفطية والكهرباء وغيرها، ومع ذلك يبقى سعره أرخص من المستورد، مشدداً على ضرورة تشجيع المستهلك على اقتناء المنتج المحلي لأن الصناعة الوطنية هويته وحينما يشتريه يدعم ليرته واقتصاده.

ولم يخفِ رئيس غرفة صناعة دمشق – في حديث لصحيفة تشرين – إحباط الصناعيين من التدفقات السلعية المنافسة إلى الأسواق السورية، فهو لا يعد الاستيراد مشكلة بقدر المنتجات المهربة، التي تغرق الأسواق منافسة السلع المحلية بقوله: مشكلتنا ليست مع الاستيراد لكونه ينسق مع وزارة الاقتصاد والجهات المعنية الأخرى ضمن روزنامة اقتصادية لمعرفة السلع التي تغطي حاجة الأسواق، وبالتالي منع استيرادها والتركيز على استيراد المواد الأولية للصناعة، لكن الهم الأكبر يتمثل بالتهريب، فالسوق اليوم مليء بالمهربات التي تخلق إشكاليات كثيرة، فمثلاً الألبسة الصينية أدخلت إلى البلاد من دون منح إي إجازة استيراد، فكيف تم ذلك”، مشيراً إلى وجود تواصل مع الجمارك للتشدد في منع المهربات قدر الإمكان وإن كان ذلك تحول دونه الظروف الراهنة.

وهنا يبرز سؤال حول ما إذا كانت غرفة صناعة دمشق مع دخول الضابطة الجمركية إلى المحال التجارية داخل المدن وخاصة أن كف يدها تسبب بانتشار المهربات، يرد الدبس على سؤالنا بكثير من المنطقية والدبلوماسية: اتفقنا مع الجمارك أن يتم دخول المحال التجارية للصناعيين برفقة مندوب من الغرفة لضمان عدم حصول أي ابتزاز أو فساد، في حال الإخبارية عن صناعي ضعيف النفس، فغرفة الصناعة تدافع عن الصناعي الشريف لكن لا تسمح باستغلال المهرب هذه الفرصة للقيام بتجاوزاته.

من جانب آخر يعترض التجار على مطالبة الصناعيين بمنع الاستيراد بداعي حماية الصناعة الوطنية، ما ينذر بحصول احتكار صناعي لا يقل خطورة عن التجاري، أمر آخر يرفضه الدبس بقوله: «سياسة الغرفة واضحة في هذا المجال، فالصناعة التي تكفي السوق نحميها، ولا نسمح بالاحتكار ورفع الأسعار وإنما الغاية من الحماية تنشيط الصناعة وتقديم السلع بسعر مقبول، وإذا لم نقدر على ذلك لا بد من فتح باب الاستيراد».

التراخيص الإدارية

هموم الصناعيين طرحت مراراً وتكراراً على طاولة الحكومة وكان أخرها خلال اجتماع الهئية العامة السنوي لغرفة صناعة دمشق وريفها، فأين وصلت الغرفة في معالجة مشاكل الصناعيين مع الحكومة؟ وهنا يعود الدبس إلى تفاؤله بخصوص واقع الصناعة فيقول: هناك ارتياح عام وسط الصناعيين بعد انتهاء أغلب مشاكلهم كالمحروقات والكهرباء واستيراد المواد الأولية، واليوم جل طموح الصناعيين يتركز على تحسين واقع الصناعة، لكن لا يمكن نكران وجود بعض الإشكاليات كالتراخيص الإدارية، التي تسببت بإيجاد صناعة في الظل عبر إنشاء معامل تعمل بدون ترخيص بشكل يؤدي إلى طرح سلع في السوق غير مراقبة تلحق ضرراً بالصناعي والمستهلك، فمثلاً يوجد أكثر من 90 معملاً غير مرخص، وقد طرحت الغرفة حلاً لذلك بقيام الصناعي بتعهد مؤقت لعام يعمل بموجبه لحين معالجة الإشكالية نهائياً.

ضرورة التمويل

لكن المشكلة الأكبر التي تواجه الصناعيين، حسب الدبس، تتعلق بالتمويل ومعالجة ملف القروض المتعثرة، التي تحول دون حصولهم على التمويل اللازم لإقلاع منشآتهم، ففي المناطق المحررة كفضلون وتل كردي وفرت الحكومة تمويل بقيمة 600 مليون ليرة لتأمين البنية التحتية، وفي الزبلطاني يوجد 750 ورشة صغيرة ومتوسطة قادرة على العمل وتشغيل آلاف العمال، لكنها بحاجة إلى تمويل لتسريع إطلاق عجلة إنتاجها كونها تعمل حالياً بشكل خجول، لذا من الضروري تأمين الرأسمال لإعادة بناء المعامل المدمرة وخاصة أن بعضها بحاجة إلى «دفشة» صغيرة فقط، مشدداً على ضرورة إعطاء قروض للمعامل القادرة على العمل وخاصة أن أصحابها غير قادرين على التسديد، لكن من هرب خارج البلد يجب معاقبته بعد تسديد كامل مستحقاته، مطالباً بفصل التمويل عن ملف القروض المتعثرة، باعتبار أن المصارف تطالب بتحصيل أموالها أولاً، وهذا يضر بالصناعة المحلية، ما يتوجب وضع خطة يتم بناء عليها إعطاء قروض جديدة مع مراجعة الملفات القديمة، مشيراً إلى وجود نوع من التفاهم مع الحكومة بعد تشكيل لجان تدرس كل قضية على حدة، وقد وعدت رئاسة مجلس الوزراء بتقديم تسهيلات بهذا المجال، والصناعيون بانتظار صدور التعليمات التمويلية في المصارف، لكن على أرض الواقع لم يحصل شي فعلي.

التصدير لم يتوقف

ورغم التأخر في إقلاع الصناعة الوطنية كما يخطط لها لكن الدبس يؤكد أن حركة التصدير لم تتوقف وإن واجهها صعوبات كثيرة، متوقعاً انه عند فتح خط العراق مجدداً ستزدهر الصناعة مجدداً وتعمل مصانعها 24 ساعة، وخاصة أن الصناعة المحلية تلقى رواجاً واسعاً ويتم تفضيلها عن الصينية والتركية.

عودوا قبل فوات القطار!

تستفيد الدول العربية خصوصاً من أموال الصناعيين السوريين في الخارج وخبرتهم بينما بلدهم أولى بهم، فماذا يقول رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها للإسراع في عودتهم وتوظيف أموالهم بإنعاش الصناعة المحلية، ليجيب عن تساؤلنا بنوع من الحذر والجرأة في الوقت ذاته: لسنا بمكان ندعو الصناعيين إلى بيتهم، لكن إذا لم يعودوا في مرحلة إعادة الإعمار متى سيكون ذلك، فمن المستغرب عدم رجوعهم حتى الآن وإقامة مصانعهم في المناطق الآمنة بريف دمشق أو المنطقة الساحلية، ليتم استفادة مصر ولبنان والأردن من الاستثمارات السورية بينما بلدهم أولى بهم”، لذا ندعوهم للعودة فورا ًقبل أن يفوتهم القطار، فإذا لم يقفوا مع بلدهم في هذه الفترة متى سيفعلون ذلك، هل سيكون ذلك أثناء ورشة إعادة الإعمار ليركبوا الموجة ويقعدوا في الصفوف الأولى؟.

مصالح متضاربة!

من صناعيي سورية في الخارج، الذين لطالما كانوا مسار تجاذب وسط قطاع الأعمال، نقتنص سؤالاً آخر عن تجاذبات أخرى تطول الاتحادات الاقتصادية، وهنا يرفع مستوى جرأته فيقول: من المفروض أن يكون هناك تعاون بين الاتحادات لكن للأسف هناك مصالح متضاربة، علماً أنه عند حصول إشكالية معينة تكون شخصية وليس بين الاتحادات، وأياً تكون فمن المعيب حصول ذلك والبلاد في حالة حرب، وهو أمر لا يكترث له الكثيرون لتفكيرهم بمصالحهم الشخصية ومحاولة سرقة جهد الآخرين، فمن المفروض أن يعمل كل ضمن اختصاصه وليس استغلال الوجود في الغرف للظهور وتحقيق منافع شخصية.

تدخل إيجابي

يستقبل السوريون شهر رمضان وسط موجة غلاء جنونية، ماذا فعلت غرفة صناعة دمشق وريفها لتخفيف من حدة الأسعار على المواطن، ليؤكد أن مهرجان التسوق الشهري “صنع في سورية” بدورته 37 يعد بمثابة مؤسسة تدخل إيجابي للمستهلك عبر إيصال السلعة من الصناعي إلى المستهلك، علماً أنه خلال شهر رمضان ستنظم حملة قوية لتخفيض الأسعار مع عروض كبيرة بغية دعم المواطن الفقير وخاصة أن هناك توزيعاً مجانياً لبعض المواد الغذائية، مشيراً إلى أن أي شركة لا تقدم عروضاً جيدة سيتم سحبها من المعرض ولتحل مكانها شركة جديدة ليكون التدخل مختلفاً بغية المحافظة على نجاح المهرجان.

نصر لسورية

من مهرجان التسوق الشهري نسأل رئيس غرفة صناعة دمشق عن التحضيرات لمعرض دمشق الدولي، الذي يعد رمزاً اقتصادياً بامتياز برأيه، فيؤكد أن المعرض بدورته الجديدة يكتسب أهمية كبيرة ويعد مؤشراً لنهاية الأزمة ونصراً لسورية، مبدياً ثقته بتحقيق المهرجان نجاحاً كبيراً وخاصة أن هناك عملاً مستمرا ًمن قبل الصناعيين على مدار الساعة لتحقيق هذه الغاية، مشيراً إلى أن غرفة صناعة دمشق أخذت جناح البيع المباشر بمساحة 4 آلاف متر 3 أضعاف مساحة مهرجان التسوق مع عروض قوية ومفاجئات كثيرة سيتم الاعلان عنها بوقتها، مؤكداً أهمية الحضور الدولي في المعرض، الذي أبدت الكثير من الدول الصديقة رغبتها بالمشاركة فيه، علماً أن هناك لجاناً لإحضار الزوار من الخارج بحيث يتوقع قدوم 1000-2000 زائر.

عن “تشرين”

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]