«حماية المستهلك» على محكّ كسر أكبر حلقات الفساد الاستهلاكي

 

الخبير السوري:

ندرك تماماً أن أمام وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك الجديد جمال شاهين مهمّة ليست بالسهلة، بل باتت تنطبق على كل من يتولى هذه الحقيبة مقولة (إن المنصب تكليف وليس تشريفاً)، ولكن جلّ ما نخشاه أن تبقى هذه الوزارة في ظل القيادة الجديدة لها متخندقة ضمن سياق التذرّع بالأزمة وتداعياتها من جهة، والتركة الثقيلة التي أورثها الوزير المعفى من جهة أخرى..!.

خلل بالمعادلة..!

مع إقرارنا واعترافنا المطلق وبعيداً عن أية مواربة بالظروف التي تعاني منها هذه الوزارة شأنها شأن بقية الوزارات، إلا أنها –في الحقيقة- لم تفلح في تقديم نفسها على أنها حامية للمستهلك والأب الراعي لشؤونه الاستهلاكية اليومية، عبر زعمها بين الفينة والأخرى أنها الذراع الضابط لحركة وانسياب السلع في الأسواق، ومراقبة أسعارها ومدى مطابقتها للمقاييس والمواصفات..الخ، سنعرض على الوزير الجديد كسر أكبر حلقة فساد في القطاع الاستهلاكي إن صحّ التعبير، وهي حلقة سوق الهال وما تشهده من تجاوزات أخلّت بمعادلة العرض والطلب، لتسخّرها باتجاه تضخيم جيوب تجار السوق ورموزه على حساب ليس الفلاح فحسب بل الفلاح والمستهلك في آن معاً..!

تجاوزات

وأبرز هذه التجاوزات التي تحوّلت فيما بعد إلى قواعد وأدبيات متعارف عليها بين تجار السوق تحديد نسبة العمولة (السمسرة) بشكل ثابت في كل مواسم السنة بـ6% من قيمة المحصول المورّد بالنسبة لبائعي نصف الجملة، و7% لبائعي الجملة، بغض النظر عن نوعية المنتج أو كميته أو حتى مدى استفادة الفلاح منه.

ومن هذه التجاوزات خصم 1.5 كغ من كل صندوق كرتوني مهما كان نوع المنتج المعبّأ فيه، مبرّرين أن الخصم عبارة عن وزن الصندوق، علماً أنه أقل من ذلك، إضافة إلى خصم ما نسبته 3% من وزن المنتجات المعبّأة بصناديق مصنوعة من مادة الفلين للسبب نفسه.

ولعل التجاوز الأكبر والأكثر ظلماً وبهتاناً والأقرب إلى السرقة منه إلى المسامحة بالحق، يتمثل بإجبار الفلاح “المورّد للمحصول” على إعطاء التاجر عند بيعه حمولة تزن 3 أطنان ما قيمته 200كغ منها مجاناً إضافة إلى بيعه 150كغ بنصف القيمة من الحمولة نفسها المراد شراؤها، وإذا كان وزن الحمولة 7 أطنان يصبح العطاء الإجباري 500كغ، وكمية المبيع بنصف القيمة 200كغ…!.

حل عملي

يؤكّد الدكتور مظهر يوسف المختص باقتصادات الأسعار/كلية الاقتصاد – جامعة دمشق/ أن أسواق الهال المركزية تعتبر حلقة أساسية بالربط بين المنتج والمستهلك، وتلعب في الوقت نفسه دوراً أساسياً بأسعار الخضار والفواكه رغم كل التبريرات التي يقدّمها تجار السوق تجاه ارتفاع الأسعار وما شابه، مضيفاً في تصريح خاص لـ”البعث”: لكسر هذه الحلقة وتفويت الفرصة على المتحكمين بها لابد –كمرحلة أولى- من إنشاء أسواق هال إضافية على مداخل المدن الرئيسية، فوجود مثل هذه الأسواق على مداخل دمشق الجنوبية –على سبيل المثال– في منطقة صحنايا، والغربية في منطقة السومرية، من شأنه أن يخفف الأعباء الأمنية –وخاصة في هذه المرحلة بالذات- الناجمة عن دخول السيارات الشاحنة المحمّلة بالخضار والفواكه والقادمة من بقية المحافظات، إلى منطقة الزبلطاني في دمشق، كما أن هذا النوع من الأسواق يخفف من أجور النقل لهذه الشاحنات، ويخفف أعباء تجار المفرق نتيجة شرائهم بضائعهم من سوق الزبلطاني، ما ينعكس بالتالي على سعر المستهلك.

وحول إمكانية سيطرة التجار الحاليين المتحكمين في أسواق الهال الرئيسية على الأسواق الفرعية في حال إحداثها بيّن يوسف أنه سيكون محدوداً، وأن انخفاض تكاليف النقل وحده كفيل بكسر حدّة ارتفاع السعر، معتبراً أن فكرة الأسواق على مداخل المدن هي حل عملي وجذري بامتياز لكسر ارتفاع الأسعار، مع الإشارة إلى أن هذه الأسواق ستتيح للفلاح خيارات أخرى ولن يكون مضطراً لتوريد محصوله للسوق المركزي، وبسعر يخضع لمزاجية ومصالح التجار المتحكمين به.

من الآخر..

هذا غيض من فيض التحدّيات التي تواجه وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ونعتقد أن أولى الخطوات الواجب اتخاذها لضبط أسعار الخضار والفواكه –على أقل تقدير- يتمثل بوضع حدّ لاستنزاف بورصة أسواق الهال لجيوب المستهلك من جهة، وقوى فلاحين لا يجنون سوى ما يسدّ رمقهم في حال كانت مواسمهم عامرة وحافلة بالعطاء، أما في حال تدهور المواسم وعدم قدرتهم على النهوض بموسم جديد يلجأ لاعبو البورصة إلى تمويل الفلاحين المنهكة قواهم بمبلغ لا يكاد يسعفهم في إنتاج محصولهم شريطة توريدهم منتجات كل موسم لتجار السوق وسماسرته وبالشروط التي يضعونها وفق عقود موقعة بينهم وبين الفلاحين.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]