فصل من فصول “أوقح” نماذج الفساد …سرقة عقارات من “قفص” الحجز الاحتياطي..؟!!

 

دمشق – الخبير السوري

حالات عديدة قبل الأزمة وبعدها ترددت على مسامعنا بشأن الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لرجال أعمال أو تجار خالفوا القوانين طمعاً بتحقيق مكاسب مضاعفة بطرق غير شرعية، لكن ما يجهله كثيرون مصير تلك الأموال، التي يفترض إرجاعها إلى خزينة الدولة، فهل هذا ما يحصل فعلاً أم إن كثيراً من قرارات الحجز ظلت حبراً على ورق بسبب قدرة المخالفين التواطؤ مع بعض الفاسدين في  بعض المؤسسات العامة على تهريب ممتلكاتهم من سلطة الحجز وبالقانون أيضاً، ولعل القضايا الجمركية تعد من أكثر القضايا عرضة لحالات تهريب العقارات أو الأملاك عموماً ليزيد الطين بلة طول المدة الزمنية التي تبقى القضية فيها عالقة من دون إصدار حكم قطعي يكشف عمليات التلاعب حيث تفقد الأموال قيمتها، وهنا نتساءل: إذا كان تهريب الأموال المحجوز عليها أمراً شائعاً ألا يفترض اتخاذ آلية معينة تمنع المخالفين من تكرار مخالفاتهم أم إن قلة الحيلة ستبقى حاضرة دوماً عند المعنيين مضيعين بذلك على خزينة الدولة مليارات الليرات.

«العدل» تستفيق

هذا الفساد الموصوف بالتواطؤ بين المخالفين وبعض المنتفعين في بعض مفاصل أجهزة الحكومة استفاقت له متأخرة وزارة العدل حسب تعميم لها رقمه «90» حصلت «تشرين» على نسخة منه، حيث أشارت بوضوح إلى هذه المسألة بالتأكيد على قيام بعض الأشخاص المحجوز على أموالهم المنقولة وغير المنقولة بموجب قرار من وزير المالية لمصلحة المال العام ببيع عقاراتهم المحجوزة بشكل صوري واستحصالهم على أحكام قضائية قطعية بهذا البيع.

وشددّت وزارة العدل في تعميمها على أن هذه التصرفات ليست سوى وسيلة من المحجوز على أموالهم للالتفاف على هذا الحجز وتهريب أموالهم من يد وزارة المالية بشكل يلحق الضرر بالمال العام، وبناء عليه طلبت من قضاة المحاكم المعنية إدخال وزارة المالية كطرف في الدعاوى التي يوجد قرار بالحجز الاحتياطي على الأموال موضوع الدعوى لمصلحة وزارة المالية.

قضية عمرها 13 عاماً

لا تقتصر قضايا تهريب العقارات على قضية واحدة أو اثنتين وإنما هناك قضايا كثيرة لا تزال عالقة من دون إصدار حكم نهائي، وقد تغدو قصة الأخوين المخالفين «م.أ.س.د» و «م.أ.ن.د» أحد أبرز هذه القضايا وخاصة لجهة عمرها الطويل.

تبدأ حكاية هذه القضية، التي يتجاوز عمرها اليوم 13 عاماً حينما نظمت الجمارك ضبطاً في عام 2004 بحقهما على خلفية القضية الجمركية رقم 113-2004. عدرا البالغة قيمتها 132,264مليوناً ورسومها المفروضة 9,621ملايين وغراماتها 567,544مليون ليرة، وبناء عليه أصدر وزير المالية الأسبق قراراً رقمه 1428 في 21-11-2004 بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة للمخالفين وعلى أموال زوجاتهم حفاظاً على حقوق الخزينة العامة.

كيف هربت العقارات؟

بعد إصدار قرار الحجز الاحتياطي على أموال «الأخوين المخالفين» كان يفترض بالمصالح العقارية-ريف دمشق، التي وصلها القرار بتاريخ 24-11-2004 باعتبار أن العقارات المملوكة لهما تقع في هذه المنطقة وتحديداً في صحنايا وسبينة ويلدا، تأشير صحيفة العقارات المملوكة للأخوين بموجب القرار حفاظاً على أموال الخزينة العامة لكن بدلاً من ذلك تم وضعها على سجل الممنوعين من التصرف، ما سهل قيام المخالفين بنقل ملكية العقارات الآنفة الذكر وبيعها إلى أخيهم الثالث «ع,د» من أجل التهرب من الغرامات، بموجب قرارات قضائية بعد حصولهم على إخراج قيود عقارية للأملاك التالية: قيد عقاري للعقار رقم 832 سبينة الصغرى  وإخراج قيد عقاري للعقار 1862 يلدا العقارية وإخراج عقد عقاري للعقار 4239 د4240 صحنايا، علماً أن جميع هذه العقارات نقلت ملكيتها في تاريخ 21-6-2005 أي بعد مضي قرابة سبعة أشهر على تاريخ الحجز، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن عدم وضع إشارة الحجز الاحتياطي على صحيفة العقارات قد سهل عملية تهريب العقارات إلى الأخ الثالث بعد الحصول على إخراج قيود عقارية.

وطبعاً هذا ما كان ليحدث من دون وجود تواطؤ بطريقة أو بأخرى مع أحد الموظفين في المصالح العقارية، الأمر الذي ضيع على خزينة الدولة ملايين الليرات، التي بلغت حينذاك قرابة 425 مليون ليرة كانت تشكل رقماً في ذاك الوقت لكنها حالياً فقدت الكثير من قيمتها بسبب الظروف الحالية وطول فترة المدة، التي لم تثنِ إدارة الجمارك عن محاولة استرجاع حق الخزينة من المخالفين.

الجمارك مصرة

رغم طول المدة الزمنية لهذه القضية الجمركية إلا أن الجمارك ظلت مصرة على استرجاع أموال الدولة، حيث أرسلت كتباً عديدة للمصالح العقارية لوضع إشارة الحجز على صحيفة العقار كان آخرها ممهوراً بتوقيع مدير جمارك دمشق خالد عسكر إلى المصالح العقارية بريف دمشق يؤكد خلالها على قرار الحجز الاحتياطي الصادر من وزارة المالية وضرورة وضع العقارات على صحيفة العقارات، ليأتيه الجواب من مديرها سالم عثمان بقوله بتاريخ 2-2-2017: إشارة إلى كتابكم رقم 1471 ق50 2004 تاريخ 29-1-2017 ولدى الرجوع إلى سجل الممنوعين من التصرف إنه تم إدراج المخالفين في سجل الممنوعين من التصرف حيث يمتنع بناء على ذلك القيام بأي معاملة تتعلق بالعقارات العائدة لهم لحين معالجة إشارة الحجز وفي حال حصول أحد الأشخاص على قرارات معاكسة يتطلب الأمر مخاصمة وزارة المالية وعند إصدار قرارات قضائية سابقة فيتطلب الأمر إبلاغ الوزارة بهذا الحكم من قبل دائرة التنفيذ وقبل المباشرة بتنفيذ أي إجراء.

المصالح العقارية لا تعلم

باعتبار أن نصف الحقيقة موجود عند المصالح العقارية المتهمة بالتواطؤ عبر موظفها غير المعروف ولربما -والله أعلم-قد تكون وافته المنية أو هاجر خارج البلاد نظراً لطول مدة القضية من دون حسمها حتى الآن- استلزم مراجعة مديرها من أجل الاستفسار عن هذه القضية، لكن المستغرب كان تعاطي مديرها سالم عثمان عبر قوله إنه لا يملك أي معلومة عن هذه القضية لكونها لم تحصل بعهده علماً أنه كان قد أرسل لمديرية جمارك دمشق الكتاب آنف الذكر حول تأكيد وضع المخالفين في سجل الممنوعين من التصرف، ولكن مع إصرارنا على معرفة ملابسات القضية وكيف تمكن الأخوان المخالفان من بيع عقاراتهم المحجوز عليها في تجاوز صريح لقرار الحجز الاحتياطي، وهو طبعاً ما نفاه بطريقة غير مباشرة ليطلب من أحد موظفيه إخراج قائمة بالعقارات المملوكة للأشخاص المخالفين، ليؤكدوا وجود إشارة على المخالفين في سجل الممنوعين من التصرف، وهنا يؤكد مصدر في الجمارك أن الإجراء الصحيح يتمثل بوضع إشارة الحجز على صحيفة العقارات في حينه وليس على سجل الممنوعين من التصرف كي لا يتم تهريبها، علماً أنه حتى الإجراء الأخير للمصالح العقارية بوضع إشارة الحجز التنفيذي جاء بناء على قرار قاضي التنفيذ.

بصيص أمل

تحصيل الجمارك للغرامات التي صدر بها حكم قضائي مكتسب درجة القطعية حال دون إبراز قرارات بيع العقارات إلى الأخ «ع,د» بشكل أعاق السير بهذه الدعوى وإصدار الحكم إلا أن تعميم وزارة العدل بخصوص التأكيد على وجود العديد من حالات تهريب الأملاك المحجوز عليها أحيا بصيص الأمل بإمكانية تحصيل الجمارك حقها علماً أن المخالفين بدؤوا منذ فترة ليست طويلة بإرسال إشارات لإمكانية التفاوض من أجل المصالحة بـثلث الغرامة بيد أن الجمارك ظلت مصرة على تحصيل حق الخزينة العامة عن طريق القضاء.

رحاب الإبراهيم – تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]