المواطن السوري “فيلسوف اقتصادي” ماقبل الحرب عليه ليس كما بعدها..

 

دمشق – الخبير السوري:

على قدر ما يخسره الإنسان وخاصة من مال، يكتسب بالمقابل كماً من المعرفة والمعلومات والتجارب وبالتالي الخبرات..وتحديدا في الجانب الاقتصادي من العلم والعلوم..، ولعل المثل الشعبي المأثور برأينا والقائل: “الإنسان ما بتعلم إلاَّ من كيسوو..”، هو التوصيف الأكثر تعبيرا وترجمة عما جرى ويجري مع المواطن السوري خلال أعوام هذه الحرب العالمية على وطنه بكل مقوماته وقطاعاتها وخاصة الاقتصادي منها نظرا لأثارها المتوالية على أوضاعه المعيشية والمالية والتشغيلية والاستثمارية.

كما ولعل من الايجابيات النسبية للأزمة التي نعبرها، أن السوري استطاع أن يراكم – من حيث يدري ولا يدري- كم من المعارف الاقتصادية المشفوعة بالتجربة في كل تفصيل منها، والأهم من ذلك متابعته للمتغيرات على التجارب والامتحانات التي عاش وقائعها اليومية والشهرية والسنوية على مدار ست السنوات المتتالية بجديدها والمتناقضة بحيثياتها الأنية والمرحلية.

أحداث ووقائع وتجارب عملية، ما كان ليخلص إلى عِبَرِها الاقتصادية، لولا ما مر به من صعوبات اقتصادية غير مسبوقة في تاريخه الحديث والقديم، نعتقد أنها ستشكل لديه معادلات حسابية ستكون له مرجعا في مواجهة أي متغير..، وقد لمسنا ذلك على مستوى تعاطي الفرد منا، مثلا في جانب كيفية التعاطي والتحوط النسبي تجاة متغير سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار. كما ستكون لغيره مصدرا يسترشد به في أي مجتمع في العالم.

وباعتقادنا أن ما اكتسبه السوري في ظل الحرب الاقتصادية عليه، يمكن أن يرتقي لحد وصفه بالثروة، إن وجد من يؤطرها ويعدها ويصيغها في إصدارات ستلقى رواجا واجتذابا ليس من قبل المؤسسات البحثية والعلمية الاقتصادية وكذلك المختصين والخبراء  فقط، بل وعلى مستوى الدول أيضاً.

ونعتقد أن غنى التجربة الرسمية والشعبية السورية في مواجهة الحرب الاقتصادية التي لازلنا نتعاطى مع تداعياتها ونعمل لأقلمة أنفسنا ومقدراتنا معها، ستكون محط الاهتمام الكبير والدراسات الوافية، نظرا لتنوعها وتعدد أوجهها وأثارها الاقتصادية الكلية والجزئية.

الكهرباء..خطتها..

في هذا السياق نلفت أن شيئا من هذا قد تم، وتحديدا في قطاع الطاقة الكهربائية، إذ علمنا أن رسالة الدكتوراه لوزير الكهرباء المهندس عماد خميس تندرج في السياق الذي نتناوله، وبحسب مصدر مطلع عليها فإنها تمثل كما ونوعا هاما من الخبرات التي راكمها قطاع الكهرباء من خلال تصديه العملي اليومي لاستهداف منظومتنا الكهربائية، عبر حلولا ومعالجات لحظية ومرحلية واستراتيجيات، ما يعني أن مكتبتنا العلمية ستذخر بالمختلف وغير المسبوق من الدراسات والأبحاث المستندة للتجربة لا للتنظير.

أسباب الضرورة..

بعدما تقدم يمكن تناول الأسباب المقنعة التي تؤكد أن أهمية علم الاقتصاد أكبر مما يتخيله الكثيرون وخاصة من المواطنون والدليل أن لا حديث يومي لهم – بعد الأمني- سوى الحديث في الاقتصاد والمال والأعمال..، أي بالوضع المعيشي والمادي..الذي أضحى وجبة ساخنة على موائدهم.

وسنتناول الأسباب من خلال إبرازها بعدد من الأسئلة ومنها: لماذا يجب علينا أن نهتم بالاقتصاد؟ ونقوم بتصفُح جريدة اقتصادية أو مُتابعة برنامج تلفزيوني مُتخصص؟ أو ما الذي يدفع شخص ما إلى قراءة كتاب في علم الاقتصاد؟ أسئلة دائمًا ما تُلاحق الكاتب المُتخصص في الشأن الاقتصادي أينما ذهب. في مُحاولة للفت انتباه القارئ نحو التعمُق أكثر بهذا المضمار.

فعلى الرغم من أن علم الاقتصاد هو أحد العلوم التي ساهمت بشكل ملموس في تحسين المستوى المعيشي للإنسان في العالم والعكس صحيح، إلا أن الاقتصاد كلمة مُبهمة لدى الكثيرين من الأشخاص، رغم تأثيره البالغ على شتى أمور وقرارات حياتهم اليومية كـالشراء، البيع، التأجير، التملك، العمل، بل والزواج والإنجاب أيضًا، والمستقبلية كالاغتراب والهجرة..، لكن ومع كل ذلك فأغلبنا لا يفهم الاقتصاد، بل لا يعيره أي اهتمام رغم أنه في صلب حياتنا ومحدد لمصيرنا.

تقليديون بنظرتنا..

إن إحدى الإجابات التي تبدو ساذجة بعض الشيء، على تلك الأسئلة المُتلاحقة، هي أننا نهتم بدراسة الاقتصاد، لأن بيننا من هم بمرحلة التسجيل الجامعي، وقد يختاروا هذا التخصص، وبالتالي سيصبحون اقتصاديين أو رجال مال وتجارة وإدارة، ولابد من الاهتمام بدراسة الاقتصاد، حتى يحصلوا على دخل مُستقبلي جراء اتخاذهم هذا القرار.

وعليه فإن أهمية علم الاقتصاد تجعل كثير من الطلاب يقبلون على دراسته، وتقدم كثير من الجامعات الدولية دورات دراسية في الاقتصاد، تهدف إلى تخريج اقتصاديين متخصصين في المجال الاقتصادي، يستطيعون قراءة وتحليل الواقع الاقتصادي بشكل مثالي، ووضع الخطط الاقتصادية التي يمكنها أن تؤثر على تحسين نمط الحياة الاقتصادية للناس في أنحاء العالم.

علاقة و مقاربة..

إن إدراك الغالبية العادية من المواطنين لوظيفة الطبيب أو المُحامى أو المُهندس غالبًا ما تكون أكثر وضوحًا من إدراكه لوظيفة الاقتصادي وعلم الاقتصاد. بل إن في كثير من الأحيان ما يتسم تصور الشخص العادي للاقتصادي المُتخصص بشيء من الغموض، فمعظم ما يدركه عنهم أنهم المسؤولين عن كل المتاعب المادية في الحياة، وأن عليهم تقع مسئولية زيادة الدخل القومي، ورفع مستوي معيشة الأفراد داخل المجتمع، فضلاً عن توفير فرص العمل والحياة.

وكثيراً ما تكون هناك نظرة مملوءة بالريبة والهيبة لكبار الناجحين في دنيا المال والأعمال والتجارة والصناعة، وذلك باعتبارهم اقتصاديين استطاعوا أن يحققوا ثرواتهم بما يملكوه من معرفة اقتصادية ضخمة، لا تتوفر لكثير من العامة الذين يجهلون سبلها.

زوايا مختلفة

وعليه فإن أسباب أهمية علم الاقتصاد، وما ينسحب عليه نوعا كـالكُتب والصحافة والبرامج التليفزيونية والمواقع الإلكترونية الاقتصادية المُتخصصة يمكن أن ننظر إليها من أربع زوايا مختلفة، كمواطنين داخل المجتمع مستهلكين ومنتجين وعاطلين عن العمل..، وكنخبة مثقفين، وكأصحاب مبدأ أو عقيدة، وأخيراً كوننا مستثمرين حاليين ومرتقبين.

الاهتمام كمواطنين..

أحد أسباب أهمية علم الاقتصاد تكمُن في أننا بالدرجة الأولى أشخاص عاديين نعيش داخل المجتمع، وبهذه الصفة نجد أنفسنا نتساءل عدة أسئلة تدور داخل هذا الإطار، منها علي سبيل المثال: لماذا ندفع ضريبة للحكومة؟ ما هي الأسس التي يتم بناءً عليها فرض هذه الضريبة؟ لماذا لا توجد فرص عمل كافية في مجتمعنا؟ متى سوف يصبح مجتمعنا أكثر نمواً وازدهاراً؟ متى سيختفي الفقر من بيوت الكثير من أفراد مجتمعنا؟، وتزداد تلك الأسئلة وغيرها وتتطور في زمن الأزمات والحروب.

فكل هذه الأسئلة وكثير غيرها مما يدور في ذهن الأشخاص العاديين، تطرح الإجابة عليها من خلال الاقتصاد، فكل مواطن يبتغي الحصول على إجابة مرضية لما يدور حوله من واقع اقتصادي يشترك هو -يشاء أو لم يشأ- في صنعه، وعليه  فلابد أن يحصل على قدر من المعرفة بالأمور الاقتصادية.

كما أن الوضع العام المُتردي من إرهاب وتطرُف وصراعات عرقية وطائفية وما ترتب عليه من دمار هُنا وهُناك، خلق مفهوم اقتصاديات الحرب، ومن المؤكد أن الفرد العادي غير المُتخصص يرغب في معرفة معنى هذا المفهوم، وغيره الكثير كالاقتصاد السياسي، وحرب العُملات. فضلًا عن الكثير من المُصطلحات الأخرى، كـالتضخُم، الناتج القومي، عجز المُوازنة، الكساد، التباطؤ الاقتصادي، والسياسات النقدية.

فعادة ما نسمع في النشرات الاقتصادية عن ارتفاع أو انخفاض أسعار الأسهم لبعض المؤسسات الاقتصادية في المجتمع، كما نجد أن العديد من المدخرين يهتمون بمعرفة أسعار الفائدة على مدخراتهم، ومقدار التغير فيها من فترة لأخرى، وكذلك عادة ما نقرأ عن قيام المصرف المركزي بتغيير سعر الفائدة سواء بالنسبة للودائع أو القروض.

إذا..لم..

وهكذا لقد أخذ الاهتمام بالمشهد الاقتصادي في حياة الإنسان أدواراً تطورت من خلالها أساليب عيشه، في محاولة لتمكينه من السيطرة على أكبر قدر ممكن من الثروات التي وهبها الله تعالى لهذا الإنسان لتحقيق سعادته ورفاهيته، ومعلوم أن الاقتصاد أصبح في عالمنا المعاصر من العوامل الرئيسية في تحديد مستقبل ومصير المجتمعات، وإذا لم نلتفت لهذه النقطة فلن نتمكن من مواجهة التحديات واستطاعة النصر عليها و بالتالي اللحاق بعجلة الحضارة ومواكبتها.

قسيم دحدل

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]